أبتلينا بقوم يعرفون كل شيء إلا عيوبهم
بقلم: حسن فقير Nabae24.com
في زمنٍ صارت فيه المنابر متاحة، والكلمات مباحة، والآراء تُنشر قبل أن تُفكَّر، ابتُلينا بفئةٍ من الناس يعتقدون أن لديهم مفاتيح الحقيقة المطلقة، وأنهم أوصياء على عقول الآخرين، وأن ما يقولونه هو الصواب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. يتحدثون في السياسة والاقتصاد والدين والفن، ويفتون في العلاقات الإنسانية وحتى في شؤون السماء، لكنهم إذا وُجِّهت إليهم مرآة ليروا أنفسهم، أشاحوا بوجوههم وكأنهم يرون فيها عدواً لا ملامحهم.
إن أخطر ما في هؤلاء ليس جهلهم، بل ظنّهم أنهم علماء زمانهم، وأن عيوبهم مجرد سوء فهم من الآخرين، لا حقيقة قائمة فيهم. يوزعون النصائح يمنة ويسرة، وينصبون أنفسهم قضاةً على النوايا، لكنهم لا يملكون الشجاعة لمواجهة أنفسهم أو الاعتراف بأن الكمال ليس من نصيب البشر.
إن النقد الذاتي فضيلة لا يتقنها إلا الأذكياء والمتواضعون، أما الذين يظنون أنهم على صواب دائم، فسرعان ما يسقطون في فخ الغرور الذي يُعمي الأبصار قبل البصائر.
لقد آن الأوان أن نتعلم أن إصلاح العالم يبدأ بإصلاح الذات، وأن أصدق الشجاعة أن نرى أخطاءنا قبل أن نشهر سيوفنا على أخطاء الآخرين. فكم من كلمة صادقة في حق النفس كانت مفتاحاً للنجاة، وكم من عنادٍ أعمى قاد صاحبه إلى الهاوية وهو يظن أنه يحلّق في السماء.
