نُــكَمِّلُ بَــعْضَنا بَعْضاً.. !!
جاءت امرأةٌ إلى عُمر بن الخطاب فشكرتْ زوجها عنده، و قالتْ: هو من خيرِ أهلِ الدُّنيا، يقوم الليل حتى الصباح، و يصوم النهار حتى يُمسي! ثم أدركها الحياءُ فسكتتْ.
فقال لها عُمر: جزاك ِالله خيراً، فقد أحسنتِ الثناء.. !
فلمَّا مضتْ، قال كعب بن سور: يا أمير المؤمنين، لقد أبلغتْ في الشكوى إليك.. !
فقال له عُمر: و ما اشتكتْ؟
فقال: زوجها.
فقال عُمر: عليَّ بهما..
فلما حضر قال عُمر لكعب: اقضِ بينهما ..
فقال له: أ أقضي بين يديك يا أمير المؤمنين؟
فقال له عُمر: اقضِ، فقد فطنتَ لِما لَم أفطنْ له.
فقال كعب للزوج: إنَّ الله يقول: «فانحكوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع»صُمْ ثلاثة أيام، و افطِرْ عندها يوماً، و قُمْ ثلاث ليالٍ، و بِتْ عندها ليلة!
فقال عُمر: هذا أعجبُ إليَّ من الأول!
وبعثه قاضياً لأهلِ البَصرة! في موقف ما قد لا ينتبه لتفاصيله أذكى الناس، فهذا العبقريُّ عُمر لم ينتبه لما انتبه إليه كعب، نكملُ بعضنا بعضاً، ولا نرى النزول على الحق الذي رآه غيرنا منقصة لنا، على العكس تماماً نفرحُ أنَّ غيرنا يرى الحقَّ أيضاً و يحثنا عليه!
هذا الدين دين الوسطية والاتِّزان، لا غلو و لا تفريط، لا رهبانية ما أمر الله تعالى بها، و لا انجرار وراء الغرائز !لا اعتزال الدنيا، و لا اللهث المحموم وراءها!
لا جمع المال كأنه الشيء الوحيد الذي نعيش له، و لا تركه بالمطلق فهو عجلة الحياة، وحافظ ماء الوجه عن السؤال!
لا انغماس في العمل إلى درجة إهمال النفس و الزوجة و الأولاد.
و لا البطالة التي تجعل من الإنسان عالة !لا التشدد و التكفير، و لا التفريط و الانحلال!
وضع كل شيء موضعه، و إعطاء كل إنسان حقه اسمه الحكمة، و من يُؤتاها فقد أُوتِيَ خيراً كثيراً!
عن «ابن القيم» في كتابه «الطرق الحكيمة».