من يرحل… يموت فينا مرتين

من يرحل… يموت فينا مرتين
hassan faqir14 أكتوبر 2025آخر تحديث : منذ 4 أيام

من يرحل… يموت فينا مرتين

بقلم: حسن فقير

في الحياة، لا يكون الرحيل دائمًا موتًا بالجسد، بل كثيرًا ما يكون موتًا بالمعنى والمشاعر. فبعض الوجوه حين تغادر، تُطفئ فينا ضوءًا كان يبدد عتمة الأيام، وتترك وراءها فراغًا لا تملؤه السنين، ولا تُرمّمه الذكريات.
من يتركني ويرحل، لا أضعه في خانة الغائبين المؤقتين، بل في خانة الراحلين الأبديين. لأن من اختار الفراق بإرادته، دفن معه جزءًا من الصدق، وأغلق بابًا كان يفتح على الأمل. هؤلاء لا يعودون، لأن عودتهم لا تُعيد ما انكسر، ولا تُرجع ما تبدّد من الثقة والودّ.
هناك رحيل يوجع لكنه يُحتمل، لأنه قَدَر من الله لا حيلة فيه، كرحيل من أحببناهم إلى دار البقاء. وهناك رحيل آخر يُوجع أكثر، لأنه قرار من بشرٍ كنا نظنهم الوطن. هذا النوع من الرحيل يجعلنا نُدرك أن بعض الناس لا يموتون فقط حين تُغادر أرواحهم، بل حين يُغادرون قلوبنا أحياء.
أمواتي لا يعودون، لا لأن الكبرياء يمنع، بل لأن الجرح الذي خلّفه الفراق لا يُشفى بعودة متأخرة. فبعض الغياب أشبه بالموت، لا يُلغي الذاكرة، لكنه يعلّمنا أن نعيش بعدها بنصف قلب ونصف ابتسامة، وكأننا نحمل في صدورنا مقابر صغيرة لمن أحببناهم يومًا.
وهكذا، أتعامل مع الراحلين عني كما أتعامل مع الموتى: أترحم عليهم بصمت، أذكرهم بخير، لكنني لا أفتح لهم باب العودة، لأن من مات في قلبي… انتهى عمره في حكايتي.

رابط مختصر
اترك تعليق

يجب ان تسجل الدخول لكي تتمكن من إضافة التعليقات

الاخبار العاجلة