رائحة الرجولة… لا تُصنع في زجاجة عطر
بقلم: حسن فقير
في زمنٍ تاهت فيه المعايير، واختلطت فيه الأدوار، باتت الرجولة لفظًا يُتغنّى به أكثر مما تُعاش واقعًا. أصبح البعض يعتقد أن الرجولة تُقاس بما يرتديه الرجل، أو بما يضعه من عطور فاخرة تحمل أسماءً فرنسية براقة، أو حتى بما يُنفقه من مال أمام الملأ… ناسين أو متناسين أن الرجولة الحقيقية لا تُرَشّ على العنق، بل تُزرَع في القلب وتُمارَس في المواقف.
الرجولة لا تُعلن عن نفسها بالكلام، ولا تحتاج لمن يتباهى بها، لأنها تظهر جليةً في وقت الشدة، وفي لحظات الصدق، وعند مفترق الطرق بين المصلحة والمروءة. هي ذاك الظهر الذي لا ينحني حين تنهار القيم، وتلك اليد التي تُمدّ لتواسي لا لتصفع، وتلك الكلمة التي تُقال لتُصلح لا لتُؤذي.
رجلٌ يفوح بعطرٍ فاخر ولا يقف معك في أوقات المحن، لا يختلف عن جدار مطليّ لا يسندك عند السقوط. أما من تراه صامتًا، بسيطًا في ملبسه، متواضعًا في حضوره، لكنه يقف بجانبك حين يرحل الجميع، ويصون العهد حين ينقضه غيره، فهو من يُجسّد الرجولة في أبهى صورها.
لقد اختُزلت الرجولة – ظلمًا – في المظاهر، فصار البعض يتقن فن التمثيل أمام الناس، ويغيب عن بطولة الواقع خلف الستار. أما الأصيل، فلا يتحدث كثيرًا، لكنه حين يتكلم تُحترم كلمته، وحين يعد لا يخلف، وحين يُستدعى للمواقف لا يخذل.
فيا من تبحث عن رائحة الرجولة… لا تُصغِ لما يُقال، ولا تنخدع بما يُرى، بل انظر إلى الأفعال. لأن العطور قد تخدع الأنوف، أما الأفعال فلا تخدع القلوب. والرجولة، يا صاحبي، ليست عبوة عطر تُشترى… بل موقف يُسجَّل.
