مجهودات أمنية غير مسبوقة في افتتاح كأس إفريقيا

مجهودات أمنية غير مسبوقة في افتتاح كأس إفريقيا
NaBae24
لا يختلف اثنان على أن كرة القدم لم تعد مجرد منافسة رياضية، بل حدثًا استثنائيًا تُحشد له الطاقات وتُستنفر له كل الأجهزة، وفي مقدمتها الأجهزة الأمنية التي تتحمّل عبء تأمين الفرجة قبل صناعة الانتصار. وما شهدناه في افتتاح كأس إفريقيا لهذه السنة ليس إلا مثالًا حيًّا على قدرة الدول الإفريقية على الارتقاء بمعايير التنظيم إلى مستويات عالمية، تُضاهي أعتى التظاهرات الكروية عبر القارات.
فمنذ الساعات الأولى لصباح يوم الافتتاح، بدا واضحًا حجم الاستعدادات الأمنية غير المسبوقة: انتشار مدروس للعناصر، تنسيق محكم بين مختلف الوحدات، اعتماد تقنيات حديثة للمراقبة، وتفعيل خطط استباقية دقيقة حرصت على ضمان انسيابية الحركة داخل محيط الملعب وخارجه. لقد بدا المشهد وكأن المدن المستضيفة ترتدي درعًا واقيًا محكم الصنع، يضمن لكل مشجع دخولًا آمنًا وخروجًا أكثر طمأنينة.
ولعل أبرز ما سجلته أعين المتابعين هو قدرة الفرق الأمنية على التعامل الاحترافي مع الكثافة البشرية التي تدفقت على الملاعب. آلاف الجماهير التي كانت تتحرك بسلاسة، وبتوجيهات دقيقة، دون احتكاك أو ارتباك، في صورة تعكس نضجًا تنظيميًا طالما كانت إفريقيا بحاجة إلى تثبيته عالميًا. كما برزت البصمة التقنية في كل زاوية: كاميرات ذكية، بوابات كشف متطورة، فرق متنقلة جاهزة للتدخل في ثوانٍ، إضافة إلى حضور بشري يقظ يجمع بين المرونة والصرامة.
إن هذه المجهودات الجبارة لا تُحسب فقط للأمن كجهاز، بل تُحسب للدولة التي استثمرت في بناء نموذج أمني عصري، قادر على استيعاب تحديات التظاهرات الكبرى، وقادر قبل ذلك على تعزيز صورة إفريقيا كقارة آمنة، منظمة، وفاعلة على الساحة الرياضية الدولية.
لقد بعث افتتاح كأس إفريقيا رسالة واضحة للعالم: أن القارة لم تعد تراهن فقط على مواهب لاعبيها، بل أيضًا على كفاءة مؤسساتها وقدرتها على إنجاح مواعيدها الكروية. وأن الأمن، حين يُدار بعقلية حديثة، يصبح شريكًا حقيقيًا في المتعة، لا حاجزًا أمامها.
وهكذا، جاءت الانطلاقة قوية، وواعدة، وصامتة في جزء كبير منها… لأن نجاح الأمن يُقاس عادة بما لا يحدث، لا بما يُعلن. وما لم يحدث في الافتتاح — من فوضى، من ارتباك، ومن إخلال — كان أعظم دليل على نجاح باهر يستحق التنويه.
عمود أسبوعي يوقعه الكاتب الصحفي ذ. حسن فقير