عمود صحفي
بين فرح الساكنة… وفشل التنظيم: قراءة في حصيلة الأيام الثقافية والاجتماعية والرياضية بمدينة الفقيه بن صالح (13 – 18 نونبر 2025)
لم تكن النسخة الأخيرة من الأيام الثقافية والاجتماعية والرياضية التي نظمها المجلس الجماعي لمدينة الفقيه بن صالح، خلال الفترة الممتدة ما بين 13 و18 نونبر 2025، مجرّد برنامج عابر لأنشطة “متنوعة”، كما وصف في البلاغات الرسمية؛ بل شكلت اختباراً حقيقياً لقدرة المجلس على التخطيط المحكم، والتواصل الفعّال، والانفتاح على محيطه المجتمعي والإعلامي. اختبارٌ خرج بنتائج متباينة، بين نجاحات مقبولة في بعض الفقرات، وإخفاقات واضحة في أخرى، وبين فرح محدود للبعض وامتعاض عميق لفئات واسعة من الساكنة والمهنيين.
1. أنشطة حققت نجاحاً نسبياً… لكن في حدود ضيقة
لا يمكن إنكار أن بعض الفقرات –وخاصة الأنشطة الرياضية والمسابقات المحلية– استقطبت عدداً محترماً من المشاركين، خاصة من فئة الشباب. كما أن بعض الورشات الاجتماعية نُفّذت في أجواء إيجابية، واستفاد منها من تمكن من الوصول إلى المعلومة في الوقت المناسب.
لكن نسبة النجاح ظلت متفاوتة بين نشاط وآخر، وأظهرت افتقاراً لرؤية شمولية تؤطر البرنامج ككل. فقد نجحت أنشطة، وفشلت أخرى، دون وجود خيط ناظم يجمعها، أو بنية تواصلية تُعرّف بها.
2. إخفاقات تنظيمية لا يمكن تجاهلها
أول ما أثار الاستغراب والجدل هو غياب عدد كبير من أعضاء المجلس الجماعي عن فعاليات هذه النسخة. غيابٌ حمل أكثر من دلالة، وعكس انفصالاً واضحاً بين المنتخبين والمبادرة التي يُفترض أنهم شركاء في إنجاحها.
الأغرب والأخطر، في نظر المهنيين والفاعلين، كان غياب ندوة صحفية لتقديم البرنامج. فالتظاهرات الكبرى تُسوَّق إعلامياً قبل أن تُنفَّذ ميدانياً، والتواصل المؤسساتي ليس ترفاً، بل شرطاً من شروط النجاح. كما غاب لقاء إعلامي لعرض الحصيلة في نهاية الدورة، وشرح ما تحقق وما تعثر، وتقديم التكلفة المالية للرأي العام بشفافية.
هذه الفجوة التواصلية خلّفت فراغاً كبيراً، سمح للشائعات بالتوسع، وللاستياء بالتمدد، وللأسئلة بالتكاثر.
3. “مقاطعة الصحافيين”.. الرسالة التي لم تُقرأ
تناقلت صفحات عديدة، ودوّن مهنيون محليون، أخباراً عن مقاطعة شبه جماعية للصحافيين المهنيين والمراسلين المحليين والإقليميين والجهويين لفعاليات هذه الأيام.
وتحوّلت صور الكراسي الفارغة المخصصة للصحافة إلى رمز لهذا التوتر غير المسبوق، إذ كشفت عن خلل عميق في علاقة المجلس بالإعلام. الأكثر إثارة للاستنكار أن بعض تلك الكراسي شغلها منتخبون أو مواطنون لا علاقة لهم بالمجال الإعلامي، في إشارة صريحة إلى غياب التنظيم، وغياب التقدير، وغياب المهنية.
كما أثارت الدورة التكوينية حول تقنيات إنتاج الروبورتاج بالهاتف المحمول جدلاً واسعاً، بعد أن قاطعها الصحافيون النشطون، معتبرين أنها غير مطابقة لاحتياجاتهم ولا لمعايير التكوين الجاد، وأن طريقة تنظيمها لم تحترم الحد الأدنى من المعايير المهنية.
4. غضب الساكنة.. “لم نكن نعلم أن هناك أياماً ثقافية أصلاً”
ما لم يكن منتظراً هو حجم الغضب وسط الساكنة، التي فوجئت بعد نهاية التظاهرة بأن “أياماً ثقافية” كانت تُنظم في مدينتها دون أن تشعر بها أو تشارك فيها.
الأخطر أن عدداً مهماً من المواطنين أكدوا أنهم لم يكونوا على علم بالبرنامج، ولم يروا إعلانات، ولم يصلهم أي إشعار رسمي أو رقمي. وهو ما جعل كثيرين يتساءلون:
هل تُنظم الأنشطة من أجل الساكنة، أم تُنفذ من أجل التقارير؟
كما انتشرت انطباعات متزايدة حول صرف أموال مهمة دون أثر واضح على الأرض، وهو ما زاد من حجم الإحباط وعدم الرضى.
5. رسائل واضحة… على الجهة المنظمة التقاطها
ما وقع خلال هذه النسخة ليس مجرد “سوء تفاهم” بين المنظمين والإعلام، ولا مجرد ضعف في الإعلان، بل هو رسالة تحذيرية واضحة يجب أن تُتلقّى بجرأة ومسؤولية:
• لا نجاح لأي مبادرة دون تواصل احترافي.
• لا احتضان لأي نشاط دون إشراك الساكنة.
• لا اعتبار لأي حدث دون حضور الإعلام.
• ولا معنى لأي تكلفة مالية دون أثر ثقافي أو اجتماعي أو رياضي حقيقي.
المدينة تحتاج إلى مبادرات، نعم، لكنها تحتاج أكثر إلى مبادرات ناجحة، شفافة، مُعلنة، ومنفتحة على كل الطاقات.
وعلى المجلس الجماعي أن يستفيد من هذا الدرس القاسي، وأن يُعيد ترتيب بيته الداخلي، وأن يفتح قنوات حقيقية مع الإعلام، وأن يجعل من التواصل رافعةً حقيقية لا ورقةً شكلية.
فالمستقبل لا يُبنى بخطابات التفاؤل، بل بقدرة المؤسسات على الاستماع، والتصحيح، والاستدراك.
عمود أسبوعي يوقعه الكاتب الصحفي ذ. حسن فقير






