آزمور… مدينة البؤساء؟

آزمور… مدينة البؤساء؟
hassan faqir3 أغسطس 2025آخر تحديث : منذ يومين

آزمور… مدينة البؤساء؟

بقلم: حسن فقير – Nabae24.com

جلست في مقهى كعادتي، كلما حللت بمدينة آزمور، أرتشف كأس شاي وأنا أتصفح أخبار “الجرائد” عبر شاشة هاتفي. المكان هو نفسه، الطاولة ذاتها، لكن الوجوه تتغير، والزمن يُخلّف وراءه حكاياتٍ لا تنتهي. رفعت بصري إلى المارة، ففوجئت بصديق قديم يهرول نحوي بابتسامة عريضة، الصحفي المتجول بين الأزقة و الهموم. عانقني طويلاً، وكأن السنوات المتباعدة لم تكن إلا أيامًا معدودة.
سألته عن حاله فأجاب: “بخير وعلى خير”، ورددت أنا الجواب ذاته، رغم أن الملامح تفضح ما لا يُقال. جلس بجانبي، تتفحص عيناه الوجوه كمن يقرأ أرشيف مدينة، ويتصفح في صمت عناوين صفحات نُسيت، وكأننا في معرض لصور الزمن الجميل. ثم التفت نحوي وقالها بحسرة: “أصبحت آزمور مدينة البؤساء، رحمك الله يا رب، إلطف بعبادها.”
لم أستغرب كلماته، بل أكمل حديثه كمن يُخرج من صدره وجعًا طويلاً: ساحة الزيتونة، التي كانت يومًا خضراء وارفة، أصبحت اليوم بلا لون ولا روح. لا كراسي تقي من حر الصيف، ولا نافورة تبعث الانتعاش، ولا حتى ظلّ يحمي العابرين من وهج الشمس أو لسعة الشتاء. أتدري يا صديقي؟ في بداية الستينات شاهدت أول تلفاز في حياتي في مقهى من مقاهي هذه الساحة، كانت نابضة بالحياة، مليئة بالتجار، بالخضّارين، و بمصلحي الدراجات، و بائعي ملابس النساء و الرجال… و اليوم؟ أرض ملساء صامتة، طُليت لتُخفي ما تبقّى من الذاكرة.
أين ذهبت تلك الحكايات التي تحكيها جدران صورها التاريخي؟ أين بطولات الزموريين؟ حتى في مواسم الفرح، يرحل الناس إلى مدينة الجديدة بحثًا عن الاحتفالات، عن الحياة.
آزمور، رغم بحرها الشاسع، ورغم أم الربيع الذي يعانقها، ورغم العقول التي أنجبتها، من عبد الله العروي إلى كفاءات تملأ العالم، تبكي بصمت. لا حدائق تمسح الحزن، و لا كورنيش يفتح ذراعيه للمتقاعدين و العشّاق، لا بنية تحتية تعيد لها أناقتها، لا مطاعم، و لا فضاءات سياحية… فقط الحنين، و البؤس، و الذكريات.
فهل آن الأوان لنطلق عليها اسم “مدينة البؤساء”؟
أم أن الأمل لا يزال يسكن بين أطلالها، ينتظر من يعيد ترتيب الحلم، و يُعيد للمدينة العريقة مجدها المستحق؟

رابط مختصر
اترك تعليق

يجب ان تسجل الدخول لكي تتمكن من إضافة التعليقات

الاخبار العاجلة