ربّ نجِّني من مكر البشر وسوء نواياهم
بقلم: حسن فقير – Nabae24.com
في عالمٍ يزداد فيه التلوّن وتتشابه فيه الوجوه، تصبح السلامة من مكر البشر نعمة تستوجب الحمد. فما أكثر الذين يبتسمون لك في الصباح ويغرسون خناجر الغدر في ظهرك عند المساء! وما أشدّ أولئك الذين يخفون نواياهم خلف أقنعة الكلمات المعسولة، يرقبون سقوطك لا ليساعدوك، بل ليصفقوا في الخفاء!
لسنا مطالبين أن نسيء الظن بالناس، ولكن التجارب تُعلمنا أن الحذر فضيلة، وأن القلب الطيب لا بد أن يكون متسلحًا بالبصيرة. لأن المكر لا يأتيك من بعيد، بل غالبًا ما يتسلل من أقرب الأبواب، وأدناه في مظهره، وأشده في أثره.
كم من إنسان لم يسقط بسبب فشله، بل بسبب خيانة من ظنهم حائطه وسنده! وكم من حلم انهار، لا لعجزٍ أو تقصير، بل لمجرد أن هناك من ساءه أن يرى النور في أعين غيره! فليست كل العيون تفرح لفرحك، ولا كل الأكفّ تمتد لتصافحك حبًّا.
لهذا، نرددها دعاءً في كل حين: “رب نجني من مكر البشر وسوء نواياهم”. نجِّنا من الذين يتقنون فنون التمثيل، ويتفننون في بناء المشاهد الزائفة. نجِّنا من الوجوه التي لا تعكس ما في القلوب، ومن الكلام الذي لا يشبه الحقيقة.
وفي ظل كل هذا الزيف، يظل الإنسان الذي يبيت بقلبٍ سليم، ولا يخطط لأذية أحد، إنسانًا نادرًا يستحق الاحترام. لأنه، وسط هذا الضجيج من الخداع، اختار أن يظل نقيًا، وأن ينام مطمئنًّا بلا مؤامرات ولا مكر.
إنها دعوة للحذر، نعم، لكنها قبل كل شيء دعوة للصدق… مع أنفسنا أولاً، ومع الناس ثانيًا. لأن أنقى الناس هم أولئك الذين لا يعرفون كيف يخونون، ولا يريدون أن يعرفوا.
