انتفاضة 7 و8 دجنبر 1952 بالدار البيضاء.. تجسيد للروح الوحدوية والاستجابة لنداء الواجب والضمير المغاربي في مواجهة الاستعمار
نبأ24
لم تكن أحداث 7 و8 دجنبر 1952 مجرد احتجاجات عابرة في شوارع الدار البيضاء، ولا كانت مجرد ردّة فعل ظرفية على اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد. لقد كانت، في عمقها، لحظة استيقاظ جماعي لضمير مغاربي واحد، ولحظة امتزج فيها الوعي السياسي بالإحساس بالانتماء المشترك، فاهتزّت المدينة كأنها قلب واحد ينزف بجرح المغرب العربي بأكمله.
فالدار البيضاء، التي كانت آنذاك مدينة نابضة بالحياة وبالطبقة العاملة وبحلم التحرر، تحولت خلال يومين إلى مسرح لانتفاضة شعبية غير مسبوقة. خرج العمال والطلبة والباعة البسطاء والنساء والأطفال، لا يحملون سوى إيمان عميق بأن الحرية ليست حقًّا وطنيا فحسب، بل حق مغاربي لا يقبل التجزئة. لقد كان اغتيال فرحات حشاد شرارة، لكنه لم يكن السبب الوحيد؛ فالاستعمار كان يمارس خنقاً ممنهجاً لحلم الاستقلال في المغرب وتونس والجزائر معاً، وكان الشعب يرى أن نضاله جزء من معركة أكبر وأشرف.
في تلك الساعات، تهاوت الفروق بين المدن والحدود واللغات. أصبح التونسي شهيداً مغربياً، وأصبح المغاربة شركاء الدم والمصير، وأصبحت الدار البيضاء عاصمة مؤقتة للوحدة المغاربية، تنبض بما لم تستطع مؤتمرات السياسة يومها أن تقوله. لقد نزل الناس إلى الشوارع بدافع الواجب الأخلاقي قبل الواجب الوطني، وكأنهم يرددون: “جرح تونس هو جرح المغرب، وجرح المغرب هو جرح الجزائر”.
ورغم بشاعة القمع الاستعماري الذي واجه به الفرنسيون تلك الانتفاضة—قتل واعتقالات وتنكيل—فإن الحدث لم ينتهِ بانتهاء المواجهات. بل بقي محفوراً في الذاكرة المغربية كوثيقة تاريخية تؤكد أن أبناء هذا الوطن كانوا دائماً في قلب العطاء، وفي طليعة المدافعين عن القيم الإنسانية الكبرى: الحرية، الكرامة، وعدالة المصير المشترك.
إن استحضار انتفاضة 7 و8 دجنبر اليوم ليس مجرد عودة إلى الماضي، بل هو رسالة إلى الحاضر: أن الشعوب عندما تتوحد حول قضية عادلة، تصبح أقوى من كل آلة استعمار أو ظلم. وأن المغرب، بعمقه المغاربي، ظل دائماً وفياً لروح التضامن التي صنعت جزءاً من مجده ومن حضوره التاريخي.
في مدرسة التاريخ، تظل تلك الانتفاضة درساً في معنى الأخوة الحقيقية، وفي قدرة الإنسان البسيط على كتابة الصفحات المضيئة بدمه وصموده وكرامته.
عمود أسبوعي يوقعه الكاتب الصحفي ذ. حسن فقير





