السخرية من صلاة أخنوش.. محاولة فهم العقلية التي أصبحت تستبيح انتقاد كل شيء، ولا تميز بين المواضيع الحساسة والخاصة التي يجب توقيرها ولا بين الظرفيات الشخصية التي يتعين مراعاتها
De // NaBae 24
أن تتحول طريقة صلاة رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى جانب جلالة الملك محمد السادس في ليلة القدر إلى موضوع سخرية وتهكم وتعليقات فهذا أمر ينبغي لنا التوقف عنده طويلا. فبغض النظر عن الأسباب التي تقف وراء المشهد المذكور لا بد من محاولة فهم هذه العقلية التي أصبحت تستبيح انتقاد كل شيء، ولا تميز بين المواضيع الحساسة والخاصة التي يجب توقيرها ولا بين الظرفيات الشخصية التي يتعين مراعاتها تجنّباً لإيذاء مشاعر الآخرين وأحاسيسهم. وليس الأمر في حاجة أصلا إلى التذكير بأن المصلين تعتريهم مثلهم مثل باقي الناس ظروف صحية أو حالات طارئة لا تسمح لهم دائما بأداء هذه الشعيرة كما ينبغي.
وإلّا لما رخّص الإسلام للمرضى والعاجزين بالصلاة جلوساً أو على جنب أو حتى بالاكتفاء بحركات العينين. كل هذه الاعتبارات المعروفة لدى الجميع لا تهمنا في هذا السياق. ما يهمنا بالأساس هو انتحار صوت العقل والأخلاق. نعم، لا أحد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أو “مؤثريه” أو صناع المحتوى المزعومين كلف نفسه عناء التصدي لهذه التعليقات الجارحة والمقاطع المستهزئة التي انتشرت كالنار في الهشيم يوم أمس. وفي أي شهر؟ إننا في رمضان. وفي أي ليلة؟ إننا في ليالي العشر الأواخر أفضل ليالي السنة. كيف يعقل أن يستسيغ الناس هذه السخرية الجارحة ويوظفوها توظيفا سياسيا واضحا ضد رئيس الحكومة علما أن الأمر لا يتعلق بموضوع من صميم مهامه بل بموضوع شخصي بينه وبين ربه؟
إن تحوّل مقطع الفيديو الذي يصلي فيه عزيز أخنوش إلى ترند دليل جديد على أن عالم مواقع التواصل الاجتماعي يعج بالمجانين والحمقى وعديمي الضمير والموتورين، وأنه أدى للأسف إلى انهيار كامل للقيم والأخلاق، بل وانهيار كل الاعتبارات الإنسانية التي ينبغي على الأقل الالتزام بالحد الأدنى منها. لسنا هنا بصدد الدفاع عن عزيز أخنوش لأن صلاته شأن خاص به، ولكننا على العكس من ذلك نعبر عن دهشتنا من الخلط الفادح الذي يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي بين المجال الخاص، الذي يرمز إليه هنا المجال الديني، وبين المجال العام الذي تمثله الوظيفة السياسية لرئيس الحكومة.
إذا كان من الضروري أن يكون عزيز أخنوش موضوع سخرية، فينبغي لها أن تظل في نطاقها السياسي مرتبطة بانتقاد طريقة أدائه لوظيفته كرئيس للحكومة وممثل للسلطة التنفيذية، ومسؤول أول عن الحزب السياسي الذي يقود الأغلبية. انتقاد أخنوش في هذه المجالات وانطلاقا من هذه الوظائف أمر مشروع في أيّ نظام ديمقراطي، بل هو مطلوب من أجل تقويم عمله وتجويده تحت ضغط الرقابة التي يمارسها المجتمع بكل ما يمتلكه من أدوات التعبير والنقد والتواصل. ومن المؤسف حقا أن تمر الكثير من قرارات حكومة أخنوش دون قراءات أو تحليلات ناقدة جدية، بينما يحظى مقطع من صلاة الرجل بكل هذا السيل الجارف والعبثيّ من السخرية والاستهزاء المبتذل والممجوج ذوقاً وأخلاقاً وحتى سياسةً.
إن المشهد السياسي بكافة فاعليه ينتظر من الرأي العام، أو من صُناعه وموجِّهيه على مواقع التواصل الاجتماعي وعيا ونضجا نقديا أكثر نجاعة وإفادة للحياة السياسية التي تعاني أصلا من حالة جمود وقتل وعدمٍ طاغٍ إلى درجة سمحت لبعض الفقاعات الإعلامية المصنوعة بالظهور واحتلال المواقع وتسيّد الواجهات، بينما يتوارى أصحاب الرأي وذوو الحصافة البناءة إلى الظل، وهم يخجلون من مناطحة من يمتلكون الوقاحة الكافية للجلوس في الصفوف الأولى حتى دون دعوة أو استدعاء.
وأيّاً كان عذر رئيس الحكومة في صلاته التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، فإن من حقنا أن نرفض هذا الهبوط والابتذال والاندحار العقلي والفكري الذي يدفع جيشا كاملا من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي إلى تقاسم مقطع فيديو من بضع ثوانٍ وتحويله إلى قضية من أولويات الرأي العام، التي يسهر الخلق جرّاها ويختصم، بينما ثمة مجال مفتوح أمامهم من أجل الانشغال بتحليل الواقع السياسي وتقاطباته الجديدة ومستقبله في ظل الإكراهات التي تفرضها الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية المتعاقبة. أن يترك الناس هذه الملفات كلها ليعلقوا على صلاة رئيس الحكومة فهذا جرس إنذار خطير.
- منقول –