حموشي… حين يتحول الأمن إلى رؤية شاملة وحكامة دولة
NaBae24
لم تكن المؤسسة الأمنية في المغرب يومًا مجرد جهاز تنفيذي مهمته حفظ النظام وضبط الشارع، بل كانت دائمًا مرآة تعكس توازن الدولة وقدرتها على التدبير الرشيد لمختلف التحديات. غير أن مرحلة ما قبل وبعد تولّي السيد عبد اللطيف حموشي المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني شكّلت منعطفًا حقيقيًا، ليس فقط على مستوى الأداء المؤسساتي، بل أيضًا على مستوى الفلسفة الأمنية نفسها.
قبل هذه المرحلة، ورغم وجود كفاءات مخلصة وتضحيات جسيمة، كان الجهاز الأمني يعاني من إرثٍ ثقيل: محدودية الوسائل، ضعف التنسيق، غياب الرؤية الشمولية، وتفاوت في مستوى الفعالية عبر الجهات. كانت النتائج في عمومها مقبولة، لكنها لم تكن ترقى لطموحات مغرب يتحول بسرعة، ويواجه تحديات غير تقليدية: إرهاب معولم، جريمة رقمية، شبكات عابرة للحدود، وتحولات اجتماعية متسارعة.
ومع مجيء حموشي، انطلقت ورشات إصلاحية هادئة وفعّالة أعادت بناء المنظومة الأمنية على أسس جديدة. فالرجل لم يحمل معه فقط خبرة استخباراتية ميدانية، بل حمل تصورًا واضحًا:
أمن المواطن يبدأ من احترامه، وأمن الدولة يبدأ من معرفة المخاطر قبل وقوعها.
انطلقت عملية تحديث واسعة شملت:
• تأهيل الموارد البشرية واعتماد ثقافة التكوين المستمر.
• تعزيز البنيات التحتية للشرطة وتحديث الترسانة اللوجستيكية.
• الرفع من جودة الخدمات المرفقية: من البطاقة الوطنية الإلكترونية إلى مراكز الاستقبال النموذجية.
• تطوير آليات الاشتغال الاستخباراتي وتنسيقها على أعلى مستوى، مما جعل المغرب شريكًا دوليًا يُعتدّ به في مكافحة الإرهاب.
انعكست هذه الإصلاحات مباشرة على النتائج: تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية قبل أن تبلغ مرادها، انخفاض مؤشرات الجريمة في عدة جهات، تحسين صورة الشرطة لدى الرأي العام، وارتفاع مستوى الثقة بين المواطن ورجل الأمن. وهي نتائج لم تأتِ من الفراغ، بل كانت ثمرة رؤية مبنية على الاحترافية والانضباط والتواصل الفعّال مع المواطنين.
ومع مرور الوقت، تحولت المديرية العامة للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني إلى نموذج في الحكامة الأمنية، لا يُشاد به داخليًا فقط، بل خارجيًا أيضًا. فأصبحت التجربة المغربية تُدرَّس، ويُطلب دعمها، ويُشاد بقدرتها على الجمع بين الصرامة والإنصات، وبين حماية الحقوق وصون الاستقرار.
إن الحديث عن مرحلة حموشي ليس تمجيدًا لأشخاص بقدر ما هو اعتراف بتحول مؤسساتي عميق جعل من الأمن ركيزة للتنمية، ومن الثقة أساسًا لبناء المستقبل. فالأمن لم يعد مجرد حضور في الشارع، بل أصبح هندسة دقيقة تُدار بعقل الدولة ورؤية منفتحة على العصر.
عمود أسبوعي يوقعه الكاتب الصحفي ذ. حسن فقير





