الكرامة في زمن الجدل العقيم
بقلم: حسن فقير
ليست الكرامة أن ترفع صوتك في وجه سفيه، ولا أن تثبت للناس أنك الأذكى في سجالٍ عابرٍ أو نقاشٍ عارٍ من الفائدة. الكرامة، في جوهرها، أن تملك القدرة على الردّ، ثم تختار الصمت. أن تُدرك أن النزول إلى مستوى من لا يقدّر المعنى ولا المقام، خسارةٌ لا تُعوَّض، حتى وإن بدوت منتصرًا في أعين البسطاء.
في زمنٍ أصبحت فيه الكلمة تُقذف كالسهم، والمشاعر تُستهان بها على صفحاتٍ مفتوحة للجميع، بات الترفع عن الجدال عقلاً لا ضعفًا، وحكمةً لا خوفًا. فالعاقل لا يناطح الريح، ولا يضيّع وقته في إقناع من لا يريد أن يفهم. الكرامة ليست في أن تُثبت أنك على حق، بل في أن تعرف متى يكون الحقّ أسمى من أن يُناقَش مع من لا يستحق النقاش.
السكوت عن الجهلاء ليس انهزامًا، بل هو تربيةُ النفس على السموّ. فبعض الحروب لا تُخاض بالسيوف، بل تُربَح بالصمت. وكلما ارتقى الإنسان بأخلاقه، اكتشف أن الردّ أحيانًا لا يليق بمقامه، وأن أجمل الانتصارات هي تلك التي تُخاض في الداخل، لا في العلن.





