بين مطالب الشباب ومحاولات الاستغلال: قراءة موضوعية في أحداث اليوم
نبأ 24// حسن فقير
شهدت ساحات الاحتجاجات اليوم مشهداً يعكس تداخلًا بين مطالب اجتماعية واقتصادية مشروعة ومحاولات بعض الأطراف للركوب على هذه المطالب لأهداف سياسية أو إعلامية. من المهم أن نتعامل مع ما جرى بعين نقدية هادفة لا تهدف إلى إذكاء الخلاف بل إلى فهم الأسباب ومنع تكرار التجاوزات التي تضر بالمصلحة العامة.
أولاً: مطالب الشباب — سواء تعلق الأمر بتحسين الأوضاع المعيشية أو بفرص الشغل والإدماج — تبقى مطالباً وطنية تستدعي الاستماع الجاد والتعاطي بمسؤولية من السلطات والمؤسسات والمجتمع المدني. إن إهمال هذه المطالب أو التقليل من شأنها لا يقلّ خطراً عن استغلالها سياسياً، لأن كلاً من التجاهل والاستغلال يولدان إحباطاً وغضباً وقد يقودان إلى مزيد من التشرذم.
ثانياً: لا بد من فصل العمل الاحتجاجي الديمقراطي السلمي عن أي محاولات للتأجيج أو الفتنة. عندما تستغل جهات معينة صوت الشباب أو حضورهم لتحقيق أهداف مبيتة، فإنها تسيء أولاً للشباب ذاته وللمطالب المشروعة، وتجعل من الحراك فرصة لتكريس مناخ من عدم الثقة. التمييز بين النوايا الحسنة والنيات الخبيثة ضرورة، لكن يحتاج ذلك إلى مؤشرات واضحة واحترام لمبدأ براءة المتظاهرين حتى تثبت الأدلة عكس ذلك.
ثالثاً: القوة العددية أو الحشد الشعبي ليست دائماً معياراً وحيداً لقياس شرعية مطلب. إن شرعية المطالبة تُقاس بمضمونها وطرق التعبير عنها ومدى انسجامها مع القانون. وفي المقابل، فإن تجاهل الصوت الشعبي أو محاولة وصم الشباب بعدم النضج بمبرر قلة الخبرة يُعدّ تقليلاً من قيمة مشاركتهم، بينما الحل يكمن في تمكينهم من آليات مشاركة فعّالة ومسؤولة.
رابعاً: على الإعلام بدوره أن يتحلى بالمسؤولية في تغطيته للأحداث. دور الإعلام ليس تضخيم التهويمات ولا تحويل الأفراد إلى أعداء قادرين على إشعال البلد، بل تقديم صورة موضوعية، وتمييز الأخبار المؤكدة عن الشائعات، وعدم منح منصات لخطاب التحريض أو التجريح. كذلك فإن مواقع التواصل تتحمّل مسؤولية كبيرة في مواجهة حملات التضليل.
خامساً: الحلول العملية لا تأتي عبر المواجهة الدائمة بل عبر فتح قنوات للحوار الحقيقي: حوار منفتح مع الشباب، سياسات اقتصادية واجتماعية ملموسة تعالج البطالة وتكلفة المعيشة، برامج تُسهم في بناء كفاءات جيل جديد، وإجراءات شفافة تقي من استغلال المطالب الشعبية. الدولة والمجتمع المدني والأحزاب والمؤسسات الإعلامية كلهم شركاء في هذا المسعى.
و في الختام، إن ما حدث اليوم يجب أن يكون فرصة للدرس والتعلّم لا ورقة تُستغل لإثارة كمّ من العداوات والاتهامات. الحفاظ على أمن الوطن واستقراره لا يتعارض مع الاعتراف بحق الشباب في المطالبة والإصلاح؛ بل إن الطريق الأمثل هو تبنّي مقاربة متوازنة تحفظ حق الاحتجاج السلمي وتتصدى لمحاولات الاستغلال، وتعمل على استجابة فعّالة وعملية للمطالب المشروعة.
