أزمة الصحافة الوطنية… في الأشخاص لا في الترسانة القانونية
بقلم: حسن فقير
حين نتحدث عن أزمة الصحافة الوطنية، كثيرون يهرعون إلى تحميل المسؤولية للقوانين، متهمين الترسانة القانونية بالتقييد والعرقلة، وكأنّ النصوص هي من تُمسك القلم أو تُوجّه الميكروفون. والحقيقة التي يجب أن تُقال بوضوح هي أن الأزمة الحقيقية ليست في النصوص، بل في النفوس؛ ليست في القوانين، بل في من يشتغلون داخل المهنة دون أن يدركوا رسالتها ولا حدودها الأخلاقية.
لقد تطوّرت المنظومة القانونية المنظمة للصحافة والإعلام في بلادنا بشكلٍ ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، حيث وفّرت الدولة ضمانات أساسية لحرية التعبير والنشر، وسنّت قوانين تُواكب العصر الرقمي وتُعزّز حق المواطن في المعلومة. غير أن هذا التقدّم القانوني لم يُواكبه بالضرورة نُضج مهني أو التزام أخلاقي من طرف بعض الفاعلين داخل الحقل الإعلامي.
أزمة الصحافة اليوم تتجلى في غياب الضمير المهني، وفي تحوّل المنابر إلى ساحات لتصفية الحسابات أو لتسويق التفاهة بدلاً من أداء الدور التنويري والنقدي البنّاء. هي أزمة كفاءات قبل أن تكون أزمة قوانين، وأزمة نزاهة قبل أن تكون أزمة حرية.
فالصحفي الذي لا يحترم ميثاق الشرف المهني، ولا يُفرّق بين الخبر والرأي، ولا يُقدّر حجم الكلمة التي يضعها بين أيدي الناس، هو في الحقيقة من يُقزّم المهنة ويسيء إلى صورتها، مهما كانت القوانين متقدمة ومُحفّزة. فالمشرّع يمكنه أن يُنظم المهنة، لكنه لا يستطيع أن يُزرع الضمير في القلوب ولا الشرف في الممارسة.
لقد آن الأوان لنقولها بصوتٍ عالٍ: إصلاح الصحافة لا يبدأ من البرلمان، بل من قاعات التحرير، ومن عقول وضمائر الصحفيين أنفسهم. فالقانون لا يُبدع، وإنما يُؤطر؛ بينما الممارسة النزيهة هي التي تصنع المصداقية، وتُعيد للصحافة المغربية مكانتها كسلطة رابعة حقيقية تُراقب وتُنوّر وتُصلح.
إن مستقبل الصحافة الوطنية لن يُصنع بالمراسيم والقرارات، بل برجال ونساء يحملون القلم بصدق، ويكتبون للوطن لا عليه، ويمارسون الصحافة باعتبارها رسالة لا مهنة فحسب.
