تسريبات “جبروت”.. اجترار لدِعاية قديمة تُحدِق بجهاز أمني مغربي
NaBae24
من يُراهِنون على تسريبات “جبروت”، المُثقََلة بالدعاية الخيالية، لتَقويض صورة المؤسسات الأمنية بالمغرب.. إما واهمون أو مُحمَّلون بأماني مُستحيلة ورَجاءات غير قابلة للتنفيذ.
فليست هذه هي المرة الأولى التي يُستهدَف فيها أعداء الداخل والخارج المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني المعروفة اختصارا “بالديستي”، كما أن تسريبات “جبروت” لا يُمكن تَحليلها أو مُقاربَتها بمَعزل عن الهجمات الدعائية التي تَستهدِف شخص عبد اللطيف حموشي وأطر الاستخبارات الداخلية بالمغرب.
فكثيرة هي تَمَظهرات الحُروب الهجينة التي استهدفت مصالح وأطر الديستي في السنوات القليلة الماضية، وكثيرة هي كذلك الجِهات التي تَورطت في حُروب البروباغندا المقيتَة التي حاولت تقديم هذا الجهاز على أنه يَعمل شاردا خارج مَنظومة القانون ونِطاق الشرعية والمشروعية.
ومن باب التذكير فقط، حتى نُحدِّد بدِقة السياق المُلابِسَ لتسريبات جبروت الحالية، انطلاقا من القاعدة التي تقول بأن “السياق هو الذي يُعطي مَعنى للأشياء”. فقد سَبق لمحمد زيان أن انخرط في حَرب مأجورة مُماثلة، عندما طالب في عام 2020 بحل المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بدعوى أنها “لا تُمارس أي نشاط ضِمن المنظومة الأمنية”، وكان في ذلك يَتقاطع مع استيهامات التنظيمات الإرهابية والشبكات الإجرامية المحدِقة بأمن المملكة.
ونفس “الرجاء المريض” كانت تَعتَمِلُه أفئِدة العديد من أزلام الطابور الخامس، مِمَّن يَحمِلون أكثر من ولاء في أجنداتهم عبر الوطنية، فقد سَبق للمعطي منجب وحسن بناجح وفؤاد عبد المومني وعمر إحرشان ومحمد راضي الليلي ومحمد حاجب وإدريس فرحان وزكرياء مومني وهشام جيراندو أن نَشروا تصريحات مُماثلة تُسجي المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بأردِيَة السياسة الوهمية وتُلحِفُها بعباءة اللامشروعية.
بل، وحتى المتربصون بمصالح وأمن المغرب انطلاقا من الخارج، انخرطوا في حروب دعائية مُماثلة! ألم تُحاول الصحافة الفرنسية، في خِضم الأزمة المغربية الفرنسية السابقة، تَصوير جهاز الديستي على أنه هو المسؤول عن التجسس على جلالة الملك وعلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؟ قبل أن يَتراجعوا عن هذه الدِعاية المغرِضة بعدما كَشفت التحقيقات اللاحقة بأنهم كانوا إما واهمين أو حاقدين على جِهاز ساهم في حِماية فرنسا نفسها من مُخططات إرهابية خطيرة.
لقد كان من الضَروري بسط هذه التوطِئة اللازمة، لنفهم السياق والمقاصِد التي جاءت من أجلها تسريبات “جبروت”، التي انبرى البعض يُهلِّل ويُطبِّل لها بكثير من الشَعبَوية، وكأنها فَتح عظيم، والحال أنها مُجرَّد اجترار وتِكرار لدِعاية رَخيصة ومُتقادِمة تَرشَح بالحِقد على المغرب وعلى مؤسسته الأمنية.
ولماذا نَقول بأن هؤلاء المهَلِّلين والمطبِّلين كانوا مَدفوعين بشَعبَوية مُوغِلة في الإسفاف والابتذال، عندما تلقَّفوا تَسريبات “جبروت” المسيئة لمصالح وأطر الديستي؟
بكل بساطة، لأن من يَتحدثون بجَهل عن مزاعم التجسس على هواتف الملك وكبار مساعديه، إنما يَجهَلون بأن السلطات العليا في كل بلد، بما فيها المغرب، لا تستخدم هواتف مُشتَراة من “درب غلف” أو “من سوق الگزا”، حتى يَسهُل اختراقها أو تَرك ثَغَرات فيها، وإنما تَستخدِم هواتف مُشفرة تشفيرا جيدا ضمانا لحماية الأمن القومي للدولة ولمصالحها العليا، في زَمن تتنافس فيه الاستخبارات العالمية وحتى شبكات الويب المظلم على المعلومة الاستراتيجية.
والمعطى الثاني، هو أن من يَتمعن في التعليق المرافق لتسريبات “جبروت”، يُدرِك جيدا بأنه مُجرَّد تجميع وتوضيب لمحتويات مَنشورة سابقا، ورَدَّد صداها أكثر من شخص وأكثر من جِهة معادية في أكثر من مناسبة، بما فيهم صحفي لندن المعروف بكنيته الحَركية “أبو ندى”! بل حتى حُمولة المبنى ومَقاصد المغزى في هذا التعليق تَقودك مباشرة إلى تشخيص من هم المتورطون والمتربصون بأمن المغرب واستقراره.
أما النقطة الثالثة التي تفضح خلفيات هذه التَسريبات، فهي أنها تَتحدث عن الانقلابات السياسية بكثير من السَطحية والرعونة والتبسيط! فهل سَبق لموظف أو مسؤول أمني تِقني في العالم أن تَورَّط في انقلاب سياسي؟ أكثر من ذلك، تُحاول هذه التسريبات تَصوير كل مَسؤول أمني يُوَقع على العُقود الشخصية الخاصة بالبيع أو الشراء أو التَملُّك على أنه “خارج عن القانون”! وكأنه لا يَكفيهم تَضحيات موظفي الأمن والاستخبارات الجسيمة والكثيرة، بل يُريدون حِرمانهم وتَجريدهم حتى من حُقوق الملكية والتملُّك والحِيازة.
وبخصوص النُقطة الرابعة التي تطالع المتمعِّن في هذه التسريبات، فهي أن هذه الأخيرة لا تَقصد مَسؤولا استخباراتيا لذاته كما يُوحي بذلك ظاهر الأشياء، وإنما هي تسريبات بأهداف مُتعدية القصد وبغايات غير مُعلَنة! فالجميع يَعلم بأن شخص عبد اللطيف حموشي هو المستهدف الأول، ومعه جهاز المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.
فمن نشر، أو راهن على نشر تسريبات “جبروت”، يُحاوِل أن يُسجل هدفا شاردا في مرمى عبد اللطيف حموشي، بأن يُقدمه في أقصى التقديرات بأنه يَتجسس على الملك ويَتربص بمرتكزات النظام! أو يُقدمه في أدنى التقديرات بأنه لا يَطلِع على ما يَجري في مؤسسته الأمنية من تجاوزات خطيرة مَزعومة.
وفي كلتا الحالتين، فمن نشر تلك التسريبات يُحاوِل أن يَضرب في العُمق صورة وسُمعة عبد اللطيف حموشي، ومعها صورة الجهاز الذي يتولى تدبيره، والذي راكم مؤخرا العديد من النجاحات والشهادات العالمية في كبرى العواصم الغربية والعربية والدولية.
لكن هذا الرهان لا يَعدو أن يكون عقيما مثل سابقيه، وحتى رجاء “الضباع” الذين حاولوا تحويل هذه التسريبات لوليمة افتراضية، لن تَتحقق لهم مآربهم الإجرامية. والسبب بسيط جدا، لأننا أمام جهات تُعاود تدوير الفشل، بنفس السَرديات والحِكايات والهَجمات الفاشلة التي كانت تستهدف دائما عبد اللطيف حموشي ومعه جهاز الديستي.
ولأنهم، ثانيا، أمام جهاز أمني مُلِم بتكتيكات الحروب الهجينة وغير النمطية التي تعتمد تقنيات التقويض والانكفاء من الداخل باستخدام الأخبار والتسريبات الزائفة. فجهاز الديستي راكَم نجاحات كثيرة، ويعمل جنبا إلى جنب مع أكبر أجهزة الاستخبارات الدولية لتحقيق الأمن العالمي. فلا يُمكن لمن يَلعب في هذا المربع الاحترافي، أن يَنساق وراء هواة النميمة السيبرانية المهووسين بنظرية المؤامرة.
وأكثر من ذلك، فمن يَنشدون الإساءة لعبد اللطيف حموشي بمثل هذه التسريبات الوهمية، عليهم أن يَستحضروا بأن الرجل يتوفر على الثقة الكاملة من أعلى السلطات بالمغرب، وبأنه مَسؤول مُحنَّك ومُخضرم لا يُمكن زعزعة إيمانه الوظيفي وخَدش سُمعتِه الدولية بمجرد نشر أخبار وتسريبات يَشغل فيها الخيال والوهم أكثر ما يَشغلُه الواقع والحقيقة.
لكن بصَرف النظر عن سماجة تسريبات جبروت، وعن زيفها وعَداوة من يَقفون وراءها، إلا أنها تبقى اتهامات خطيرة ومُغرِضة وتحتاج لرد قانوني ولمقاربة زجرية حازمة. ولعل هذا ما قام به مَسؤول الاستخبارات الداخلية الذي تَعرَّض للهجوم والقذف. فقد عَلمت الجريدة بأنه تقدم بشكاية أمام القضاء في مواجهة كل من ثبت تورطه في فبركة ونشر تلك التسريبات المضللة.
فالركون للقضاء طلبا للإنصاف القانوني هو تمرين ديموقراطي، يَضمَن القطع مع مُحاولات ورِهانات من يَتربصون بأمن المغرب ومؤسساته، كما يَضمَن كذلك تحييد “لُعاب” الضِباع الذين يَنشدون الإساءة للمغرب عبر تسريبات مَجهولة تَصدَح بخلفيات الخيانة والعداء للوطن.
•
