أسئلة لفهم سياقات التهجم على المؤسسة الأمنية

أسئلة لفهم سياقات التهجم على المؤسسة الأمنية
hassan faqir14 مايو 2025آخر تحديث : منذ 10 ساعات

أسئلة لفهم سياقات التهجم على المؤسسة الأمنية

NaBae24

التهجم على المؤسسة الأمنية، ليس من نظرية فعل الكلام فقط، التي تروم ترويج المعلومات والسرديات المتخيَّلة الغرض منه أن يُحدث الكلام حدثا ما ولو بالتشهير والادعاءات الكاذبة، كما يفعلون عادة. بل تكاد تكون العملية جزءا من نظرية سياسية قائمة بذاتها دافع عنها مفكرون أمريكيون أمثال جين شارب وغيره ممن يصفون الأجهزة الأمنية داخل الدولة بأنظمة الطاعة والسلطة داخل المجتمعات.
بَين جين أوستين، صاحب نظرية فعل الكلام، وجين شارب، صاحب النظرية السياسية، يبدو التهجم على المؤسسة الأمنية وقياداتها جزءا من عمل مدبر تحركه حسابات شخصية وربما سياسية تُظهر الأيام المقبلة حقيقة الأشخاص الذين يقفون وراءها. غير أن الحقيقة الوحيدة من كل ذلك أن الإنجازات التي حققتها المؤسسة الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب وضمان الاستقرار وتحصين البلاد من أجندات الحروب التي يقودها بعض “المعارضين” بالوكالة، عن دول ومنظمات وأجهزة، قطعت الطريق أمام المخطط بأكمله ومنعت إضعاف الدولة وهدم مؤسسات إنفاذ القانون، بوصفها أخطر بداية لاستهداف النظام العام وهدم الأسس التي يقوم عليها كل نظام سياسي. فبفضل قدرة المؤسسة الأمنية على التأقلم والتكيف ومواكبة توجهات الإصلاح حدث التغيير في ظل الاستمرارية على مستويات الممارسة والخطاب والفعالية.
يُفضي تتبع مراحل تبلور خطاب التهجم على المؤسسة الأمنية خلال السنوات الأخيرة إلى استخراج أربعة عناصر تحليلية لفهم الدوافع والعوامل الفاعلة في تحريك التشهير بالمؤسسات والأشخاص: كيف تعمل؟ وماهي أسس خطابها؟ ومما تستفيد؟ كيف تعمل؟ يبدو أن عملية استهداف المؤسسة الأمنية تقوم على عنصرين: التشبيك والتشكيك. في نهج التشكيك يلاحَظ أن الجهات التي تحرك التهجم على الأجهزة الأمنية ورجالاتها تسعى إلى توزيع الأدوار في توقيت معين، وكأنها تبادل بين بعضها البعض عناصر الخطاب الهجومي، بروايات مختلقة ومختلفة، على منصات التواصل الاجتماعي. في هذه المرحلة تلعب أحيانا بعض العوامل الخارجية وظائف مكملة مثل نشر تحقيقات على صفحات جرائد أجنبية أو إصدار تقارير عن منظمات دولية أو استعادة سرديات قديمة انتهت، مثل قضية “بيغاسوس” أو غيرها.. المهم أن تجري هذه الأشياء بشكل متزامن بحيث تظهر كأنها أحداث فعلية.
لاحقا، يبدأ الهدم بالتشكيك، وقد سبق أن بينا كيف أن الغاية من هذه العملية هو إنتاج نوع من القابلية لدى المتلقي لهذه الخطابات عن مؤسساته الوطنية، عبر تخطيط يقتضي بناء الثقة مع المتلقي بدءا بادعاء صدق الأحداث ومعاصرة الرواة ثم خلط بعض الحقيقة بكثير من الافتراء، والأهم في هذه الفترة ألا ينقطع التواصل/ البت حول نفس الفكرة طيلة مرحلة “بناء الخطاب التشكيكي” حتى يتشبع المتلقي بحجم كبير من المعلومات عن نفس الموضوع.
ما الخطاب؟ عادة ما يَتهم المُشهرون الآخر بممارسة التشهير، والغرض من ذلك خلق حالة من الغموض، وهو بالمناسبة نهج دأبت عليه تجارب التكوين الاستخباراتي التابعة للمعسكر الشرقي، غموض الهدف منه زرع الشك والارتباك في صفوف الجمهور حول من يقتل، معنويا، من؟ والمساواة بين أشخاص يمارسون التشهير كحالة استرزاق مفضوح، وبين مؤسسات ودول ومسؤولين، يفترض فيهم أن يلزموا القانون حتى في إدارتهم للصراع مع “وكلاء التشهير”. وبصرف النظر عن الادعاءات وفبركة الوقائع والأحداث ونسبتها إلى جهات ما، فإن أهم عنصر في الخطاب هو بنية الخطاب نفسه، الرموز الوطنية والتواريخ والأماكن والأسماء والمسؤوليات..
مما يستفيد؟ من صمت المجتمع والنخب السياسية. يُنسب للقس الألماني مارتن نيمولير بيانه الشهير عن سنوات الحكم النازي يقول فيه: في أول الأمر أتوا للاشتراكيين.. ولم أتحدث لأني لم أكن اشتراكيا. ثم بعد ذلك أتوا لأعضاء النقابات العمالية.. ولم أتحدث لأني لست عضوا في النقابات، ثم أتوا لليهود.. ولم أتحدث لأني لم أكن يهوديا. ثم بعد ذلك أتوا من أجلي.. ولم يبق أحد ليتحدث عني” هذا الشعور المتأخر بالذنب بسبب الصمت وقت الكلام هو ما يحدث اليوم بالضبط. فالنخب السياسية تنأى بنفسها عن المعركة التي تخوضها المؤسسة الأمنية ضد التشهير ومحاولة إضعاف مؤسسات الدولة، ما يُعتبر إخفاقا أخلاقيا، لأن من مسؤولية هذه النخب الحزبية والسياسية أن تتصدى لمحاولات الإجهاز على المؤسسات والمكتسبات، ولو من باب الدفاع عن الحريات والحقوق التي حولتها هذه الكائنات إلى غطاء لحرب بالوكالة تقودها ضد مؤسسات الدولة ورموزها.
لقد حان الوقت لكي تتخلص النخب السياسية من فكرة التنازع الإداري والسياسي التي حكمت علاقتها مع مؤسسات إنفاذ القانون لسنوات طويلة، وأن تتحمل مسؤوليتها في مواجهة خطابات العدمية والأعمال العدائية التي تستهدف المؤسسة الأمنية.

رابط مختصر
اترك تعليق

يجب ان تسجل الدخول لكي تتمكن من إضافة التعليقات

الاخبار العاجلة