سليمان الريسوني وملف عبد الله باها: حينما تتحول الأسئلة إلى ذريعة لتصفية الحساب
NaBae24//FQA
بعد مرور عقد من الزمن على وفاة الوزير عبد الله باها، في حادث مأساوي هز الرأي العام المغربي، يعود الصحافي سليمان الريسوني لنبش هذا الملف من جديد، في خطوة تطرح أكثر من تساؤل حول النوايا، والسياق، والتوقيت.
الريسوني، الذي أصبح وجهًا إعلاميًا مثيرًا للجدل منذ خروجه من السجن، يحاول اليوم أن يستثمر في قضية فقدت زخمها الشعبي والقانوني، ليعيدها إلى الواجهة تحت شعار “البحث عن الحقيقة”. غير أن المتأمل في طبيعة الطرح، وتوقيته، ونبرة الخطاب، سيكتشف سريعًا أن ما يُراد له أن يبدو كصحافة تحقيقية أو جرأة في قول الممنوع، لا يعدو أن يكون محاولة لإعادة التموضع داخل مشهد إعلامي تغير كثيرًا، ومحاولة يائسة لتلميع صورة فقدت الكثير من بريقها.
هل حقًا يسعى الريسوني لكشف الحقيقة؟ أم أن الحقيقة هنا ليست سوى ذريعة للعودة إلى الواجهة، ولو على حساب ذاكرة رجل راحل، ومشاعر عائلة، ووجدان جماعي لا زال يتعامل مع وفاة باها بنوع من الحذر والاحترام؟
ما يجعل هذه الخطوة مثيرة للاستغراب، هو أن الريسوني لم يطرح أي معطى جديد في القضية، ولم يقدّم أي وثيقة أو معلومة قد تغيّر مسار الفهم العام لواقعة الوفاة. كل ما هنالك، هو أسئلة مكررة، مغلفة بنبرة اتهامية، وخطاب يمزج بين المظلومية الشخصية والهجوم على الخصوم، في محاولة لإعادة رسم معركة قديمة بينه وبين جزء من المجتمع والمؤسسات.
إثارة مثل هذه الملفات الحساسة تتطلب شروطًا مهنية وأخلاقية عالية: دقة، توثيق، احترام للوقائع، وعدم تحويل مآسي الآخرين إلى أدوات للتموقع الشخصي أو السياسي. لكن ما نشهده اليوم، هو عكس ذلك تمامًا: توظيف انتقائي لملف راكد، وتوجيه الرأي العام نحو معركة جانبية، بدل مساءلة الذات أو مناقشة القضايا الحقيقية التي تهم المواطن المغربي.
إن احترام الذاكرة الجماعية لا يعني إغلاق الملفات، لكنه يفترض التعامل معها بنضج، لا بتسرع. والتاريخ لا يُكتب على “فايسبوك”، ولا يُعاد تشكيله وفق المزاج الشخصي أو الحاجات الظرفية. بل يُبنى على معطيات، ووثائق، ومسؤولية.
لقد آن الأوان لنميز بين الصحافة التي تسعى إلى الحقيقة، وتلك التي تبحث فقط عن ضوء الكاميرا. فشتّان بين هذا وذاك.
