بوغطاط المغربي | “هِمَمْ” لتفريخ “ذوي الهمم” النضالية… صناعة جيل جديد من “الانتحاريين” !
عن // نبأ24
في الوقت الذي تسعى فيه الدول والحكومات في العالم إلى إدماج الأشخاص “ذوي الاحتياجات الخاصة” وتحويلهم من “ذوي الاحتياجات” إلى “ذوي الهمم” تقديراً لإنجازاتهم المميزة في مختلف المجالات، رغم معاناتهم من بعض الإعاقات الجسدية أو العقلية، وتمكينهم من مقاومتها، أي مقاومة تلك الإعاقات لعيش حياة طبيعية والانخرط في المجتمع، هناك في المقابل وللأسف الشديد من يسعى إلى فعل العكس.
هناك من يعمل على إنتاج مفهوم سلبي جديد من “ذوي الهمم”… أشخاص طبيعيون كانوا يعيشون في أمن وأمان وسلم وسلام، كان يُفترض أن يتم تكوينهم كـ “نشطاء” على أسس سليمة وصحيحة، لكن وللأسف الشديد أُريدَلهم أن يكونوا أشخاصا “معاقين” حقوقيا، “متخلّفين” نضاليا، و”أميين” قانونيا حتى يتمكن أصحاب “هِمَمْ” أو ما يسمى بـ “الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين” من المتاجرة بملفاتهم كـ “ذوي همم سياسية” مزعومة…
هؤلاء الضحايا، كان يُفترض أن يتم تكوينهم كـ “نشطاء محترفين” و”مناضلين حقيقيين”، عوض إعدادهم كـ”مناضلين انتحاريين” يراد الزج بهم في السجن لأغراض خبيثة معلومة.
ما يسمى بـ “الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين” التي اختارت لنفسها الإسم المختصر “هِمَمْ” هي في الواقع لا تختلف كثيرا في نهجها وفلسفتها وأهدافها عن “التنظيمات التكفيرية الإرهابية”.
فإذا كان أمراء الدم في التنظيمات الإرهابية يعملون على استغلال الجهل والحاجة لدى ثلة من الشباب لاستقطابهم وتجنيدهم وشحنهم ليل نهار بالأفكار المتطرفة حتى تصنع منهم “كاميكازا” للإرهاب، فإن “أمراء النضال” بدورهم يعملون على استغلال الحماس الزائد أو حالة من السخط لدى البعض أو الدوافع الانتقامية لدى البعض الآخر، أو منسوب من الجهل لدى فئة أخرى، لتجنيدهم وشحنهم على ارتكاب أفعال مخالفة للقانون، تحت ذريعة التعبير عن الرأي أو “محاربة الفساد”، صانعة منهم “كاميكازا” للنضال….لكن لا “كاميكاز الإرهاب” يلقون الحور العين وجنات تجري من تحتها الأنهار، كما كان أمراء الدم يَعِدونَهم، ولا “كاميكاز النضال” يصبحون “أبطالا” يُسقطون النظام كما كان أمراء النضال يوهمونهم.
ويبقى السؤال: هل رأيتهم من قبل أميرالتنظيم إرهابي قام بنفسه وضحى بروحه في عملية انتحارية ما؟؟ وهل رأيتهم أحدا من متزعمي ما يسمى بـ “الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين”أو قادة غيرها من التنظيمات الشبه حقوقية يكتبون تدوينات أو يرتكبون أفعالا منافية للقانون ؟؟
طبعا الإجابة عن السؤالين هي: لا ! فلا أمراء الدم يرمون بأنفسهم إلى التهلكة ولا “أمراء النضال” يزجون بأنفسهم إلى السجن، لكنهم يسعون إلى تحقيق أهدافهم على حساب الآخرين.
فالملاحظ أن “أمراء النضال” من “هِمَمْ” وباقي التنظيمات، ينتقدون كما يشاؤون النظام والمؤسسات والسياسات والتطبيع والأجهزة و و و و… دون أن يتعرض أحد منهم للاعتقال أو المتابعة، لأنهم ببساطة يختارون كلماتهم وأساليبهم بعناية ويحرصون إلى أقصى حد على ألا يقعوا تحت طائلة القانون… لكنهم في المقابل يدفعون بآخرين إلى ارتكاب أفعال منافية للقانون بعد أكل الثوم بأفواهم.
الحقيقة أن “هِمَمْ” وغيرها من التنظيمات الشبه حقوقية في المغرب، لا تسعى إلى الدفاع عن حقوق الإنسان بقدر ما تسعى إلى تقويضها… لا تسعى إلى ترسيخ حرية الرأي والتعبير على أسسها وقواعدها الصحيحة، بقدر ما تسعى إلى اختلاق أسباب وظروف الحرمان من الحرية… ولا تسعى إلى تكوين جيل من المناضلين السليمين والعقلاء بقدر ما تسعى إلى خلق جيل سلبي من “مناضلين ذوي الهمم”… أي مناضلين “معاقين” حقوقيا، “متخلّفين” نضاليا، و”أميين” قانونيا.فالفرق بين مؤسسة حقوقية رسمية (محسوبة على الدولة) وبعض المنظمات الحقوقية “الغير حكومية” التي تصف نفسها بأنها مستقلة، مثل “همم” وغيرها، بينما هي في الحقيقة خاضعة لتمويلات مشبوهة تفرض عليها إملاءات معينة، الفرق بين الإثنين:
هو أن الأولى، تشتغل جنبا إلى جنب مع الدولة ومختلف مؤسساتها الرسمية، بهدف النهوض بحقوق الإنسان وإرساء مبادئها (قولا وفعلا) في كل مناحي اشتغال تلك المؤسسات وممارساتها وفضاءاتها. يعني أنها لا تعمل فقط من أجل الدفاع عن قضايا حقوقية أو التنبيه إلى “التجاوزات” التي قد تقع، بقدر ما تساهم من موقعها ومما هو مخول لها من صلاحيات، في أن تكون الدولة، دولة حق وقانون، دولة تصون الحقوق والحريات في شموليتها.
بمعنى آخر، الهدف من العمل الذي تقوم به هو السهر على أنه يتم احترام الحقوق والحريات وتعمل على منع وقوع تجاوزات، إما من خلال العمل على وضع تشريعات وإطارات قانونية تمنع تلك التجاوزات أو تعاقب المتورطين في حالة وقوعها، أو من خلال اتفاقيات مع كل المؤسسات المعنية للالتزام ببرامج تؤهل القائمين على تلك المؤسسات وأفرادها بالتشبع بالثقافة الحقوقية لتنعكس في آخر المطاف على تصرفاتهم، سلوكاتهم، تعاملاتهم وقرارتهم، أو من خلال إمكانية التدخل في قضايا حقوقية معينة حسب ما هو مخول لها من صلاحيات، لإيجاد حلول لتلك القضايا أو للانتصار لحقوق المتضررين.
أما الثانية، و التي ابتلنا الله بها في المغرب، أي تلك المنظمات الحقوقية “الغير حكومية” أو بالأحرى الشبه حقوقية و الاسترزاقية، فغايتها الأسمى هو خلق ضحايا مفهوم مغلوط للحريات وحقوق الإنسان، وتسويقها على أنها ضحايا “القمع”. هذه المنظمات والهيئات، سبب وجودها من الأساس واستمراريتها مقرونين بوقوع “التجوازات الحقوقية” (من وجهة نظرها) التي هي في الأصل مخالفات قانونية ومتابعات قضائية في جرائم حق عام، لترفع عنها تقارير مغلوطة وتجيش حولها الإعلام المعادي وتحشد من أجلها الرأي العام لاستهداف الدولة ومؤسساتها.
هذا النوع من الهيئات ليس في مصلحتها أن يسود مناخ من الحرية وحقوق الإنسان، وليس في مصلحتها تكوين جيل من المناضلين الواعين والعارفين بقواعد وأسس التعبير عن الرأي، لأن سبب وجودها كما قلت، مقرون أساسا بالتسويق لوجود جو مزعوم من القمع… وإذا لم تستطع إلى ذلك سبيلا، فستعمل على اختلاق كل الظروف والأسباب التي من شأنها أن تمكنها من التسويق لتلك الصورة القاتمة المزعومة التي تبحث عنها، حتى يتسنى لها العمل وفق الأجندات المرسومة لها والتي تتقاضى عنها تمويلات سخية وسخية جدا.
ولأجل ذلك، لابد لها من ضحايا… ضحايا بالنسبة لـ “همم” وغيرها من الهيئات والتنظيمات هي مجرد ملفات و”بريكولات” يضمنون بها قوتهم واستمرارية نشاطهم…. هم في الواقع ليسوا بمعتقلي رأي ولا بمعتقلين سياسيين… هم جيل سلبي من “ذوي الهمم” النضالية… بل جيل جديد من “الانتحاريين”.