كيف نقترب من تحقيق هدفي توطين اللغة الوطنية الرسمية و المحافظة على حراسة و تعزيز الهوية الوطنية؟
عن // نبأ 24
إن موضوع الهوية الوطنية واحد من أبرز المواضيع المطروحة على ساحة النقاش العلمية و الإعلامية محليا و عالميا، و يعتبر التعليم، كوسيلة و غاية، من أكبر المداخل التي تقوم بتعزيز الهويات الوطنية، لاسيما إذا ما تم التركيز على إعداد و تطوير مناهج و مناشط معنية لتحقيق هذا الهدف.
يعتبر التعليم اللبنة الأولى في بناء و تشكيل و صقل شخصية المواطن (مصنع الشخصية الوطنية)، و يعد واحدا من أهم حقوق الإنسان، فالأوطان تبني على قاعدة المنظومة التعليمية الصلبة؛ رؤاها و هويتها و أهدافها الاستراتيجية و التنموية و مشاريعها الثقافية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، و من خلال هذه المنظومة الرصينة تحقق الأوطان و الأمم مستقبلها المنشود الذي تتجه إليه.
للتعليم دور كبير في تنمية و تعزيز مكونات الهوية الوطنية و زرع القيم الخلقية و المعرفية و تعميق الشعور المواطنة و الانتماء، فكل عنصر من عناصر العملية التعليمية له دور فاعل في تشكيل شخصية و هوية المتعلم، لذا يجب على هذه العناصر أن تتكامل لا أن تتناقض و تتعارض فيما بينها، كما أنه على التشريعات التعليمية أن تتوافق مع الرؤية الشاملة للدولة، فالمدرسة و الجامعة و معاهد التعليم المختلفة هي المجال الأكبر لترسيخ قيم الهوية الوطنية و المواطنة الصالحة، و عليه فإن المناهج التعليمية عليها أن تؤكد على مقومات الاعتزاز والانتماء و تؤكد على اللغة الأم؛ كعماد للهوية الوطنية، و متى ما فقدت المناهج قدرتها على تحقيق كافة هذه الأهداف؛ أصبحت تقدم تعليما دون هوية.
أيا قارئي الفاضل، تعتبر اللغة أساسا للفكر، فمن خلالها نعي و نبصر العالم، و هي أداة التفاعل و التواصل الأولى بين البشر و تتميز اللغة بأنها ثنائية الاتجاه، و لا يمكن لباحث يهدف إلى دراسة أي ظاهرة عالمية في الكون من أن يُهمل دراسة تأثير اللغة على هذا الظاهرة، فاليوم أصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة الأولى عالميا، و مع انتشار الإنترنت و دخول عصر الإعلام الجديد و منصات التواصل الاجتماعي؛ أدت النتيجة إلى استخدام عبارات إنجليزية في الحياة اليومية، و التي جاءت كدليل آخر على هيمنة الثقافة العالمية الجديدة.
و في تقرير للمنظمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة ISESCO عبرت فيه عن قلقها حيال ما تتعرض له اللغة العربية من إقصاء و تهميش، و قالت في تقريرها: “إن البلاد العربية تعاني من أزمة الهوية؛ نتيجة للمتغيرات التي طرأت في التركيبة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية العربية”.
إن مجتمعنا المغربي يعاني اليوم أزمة حقيقية تتمثل في اختراق بنيته الثقافية، حيث يتجلى ذلك في تراجع الاهتمام باللغة العربية، لغة الهوية الأصيلة، فالمجتمع بمختلف تدرجات أفراده العمرية؛ يعاني نفورا ملحوظا من استخدام الفصحى، و يمكن أن نعيد هذه الإشكالية الكبرى لعدد من العوامل التي ساعدت في تفاقم الحالة يوما بعد يوم.
فعلى سبيل المثال، الأساليب الجافة المتبعة في تعليم اللغة العربية في مختلف المراحل التعليمية؛ أدت إلى خجل الناشئة من التعبير بالفصحى و تفضيل التعبير بالفرنسية أو بالإنجليزية، الأمر الذي ربط استخدام الفصحى بالرجعية و المحدودية و التاريخية و ربط اللغة الفرنسية و الإنجليزية بالصفوة و التحضر الثقافي و الاجتماعي.
إن مظاهر العولمة اللغوية التي يعاني منها مجتمعنا هي استخدام (العربيزية) في منصات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى اجتياح ظاهرة الثنائية اللغوية (اللغة العربية و اللغة الفرنسية ) وأحيانا الثلاثية اللغوية (اللغة العربية و اللغة الإنجليزية و اللغة الفرنسية) في مدارسنا و كلياتنا و جامعاتنا الحكومية و سيطرت اللغة الفرنسية على غالبية مؤسسات التعليم الخاصة في البلاد، و هذه الازدواجية اللغوية امتدت من حقل التعليم لتسري في كافة أوجه و مجالات الحياة المهنية و الاجتماعية، و كل هذه الأسباب و غيرها؛ أنشأت جيلا لا يفهم و لا يتكلم و لا يحب و لا يفخر باللغة العربية.
و في ذلك، تُلام المؤسسات التعليمية، و المناهج الدراسية و مدرسو اللغة العربية، ممن لم يهتموا كثيرا بربط الدروس التنظيرية بتطبيقات تعليمية يسرة و ممتعة؛ تيسر هدف تعلم اللغة، و تحبب الناشئة لتجرع المزيد منها، فمتى ما راعت القوانين و المناهج أهمية التأكيد على اللغة العربية؛ اقتربنا كثيرا من تحقيق هدفي توطين اللغة الوطنية الرسمية The National Language و المحافظة على حراسة و تعزيز الهوية الوطنية.