أُريدُ تــَــــلاميذَ أَحْـــــراراً وَ لَيْــــسوا عَبيــــداً.
نبأ 24 // الفقيه بن صالح
و إِن كُنت مُعلما لأربعة عقود، فإن قاعدتي كانت هي: لَسْتُ عَبْداً لِأَحَد… و أُريدُ تَلاميذَ أَحْــراراً وَ لَيْسوا عَبيداً.
تَنْغَــــرِسُ المقولة العجيبة، من علمني حرفا صرت له عبدا، و كأنها قانون تربوي، و ليس تعليميا فقط..
و الملحوظ أنها، أَهَمُّ جُملةٍ تَـــتَرَدَّدُ في الثقافة التعليمية، تحت مظنة الوفاء و التقدير للعلم، و تنزيله منزلة رفيعة، بما له من فضل، و ما يجب له من تقدير..
لكن الجُملة لم تأت من فراغ ثقافي..
الجملة هي امتداد لِمَعانٍ نَسَقِية، تصنع طبقيات ذهنية و مجتمعية، تُعطي تفوقا لبعض البشر على بعض آخر…
فمن هو أكبر منك، فهو أعلم منك…
و من هو رجل، فهو أحكم من المرأة…
و من هو أبيض، أشرف من الأسود…
و من هو صاحب منصب، أرقى من العامة…
و يشيع مصطلح الخاصة منفصلا عن العامة…
و هكذا هو التراتب الطبقي، الذي أفضى إلى جعل التعلم والتعليم مادة للاستعباد…
*كان سلفنا القريب يرددون مقولة: ” لك اللحم و لنا العظم “… و هي جملة تقال عند إدخال الصبي للمدرسة، و تسليمه ليد المعلم، مع تفويض الجسد كله للمعلم، ضربا و رفسا و تدمية، حتى يصل للعظم و يقف دون كسر العظم..
أما ما عداه فهو مُباح، و كأن التعليم حلبة صراع، و ضرب و استعباد…
هذه أول مكونات التعليم الفاشل، حيث لن يكون التعليم معركة عقلية و معرفية…
سيكون الانصياع للأستاذ، هو الشرط للتعلم، أي أن تشغيل الذهن المتسائل و المتبصر، سيكون جريمة وإثما…
نلحظ ذلك في تجارب التلاميذ في المدارس، حين يطرح التلميذ رأيا أو سؤالا مُحَفِّـــزاً، فيُلاقيه وابل التقريع و الضرب، و الإخراج من قاعة الدرس…
فَٱلطّالِبُ تَمَرَّدَ عَلى سَيِّدِه…
لم يُخْضِعِ التِّلميذُ نَفْسَهُ وَ جَسَدَهُ لِسُلْطَةِ الأُستاذ…
مُشكلتنا مع بعض المقولات، هي أن نَغْفَلَ عن نَقدها، مع أنها تَصُبُّ في مسار تغذية النسق التسلطي من جهة، و الاستسلامي من جهة، و تُعَزِّزُ ٱلطَّبَقِيّات، و تُغلق المجال على النمو المعرفي، و كأن التلميذ، لن يكون أفضل من أستاذه، و أن الأستاذ هو قمة المعاني…
و هُنا لن يَنفتح مُستقبل المعرفة، و تُصبح كلها مستخلصا للماضي الذي نَنْتَهي بِحِفْظِهِ و تِرداده، و لن نَزيد عليه…