حين تتحوّل الكارثة إلى “بوز”… وتسقط الرجولة

حين تتحوّل الكارثة إلى “بوز”… وتسقط الرجولة
nabae 2417 ديسمبر 2025آخر تحديث : منذ 9 ساعات

حين تتحوّل الكارثة إلى “بوز”… وتسقط الرجولة
NaBae24
لا أدري، ولا أعرف من أين أبدأ هذا العمود، لأن الخجل يسبق القلم، والغضب يزاحم الحروف، حين نرى الكوارث تُداهم الناس، والفيضانات تبتلع البيوت، والأعاصير تقتلع الأمل، بينما يقف بعضهم… لا لإنقاذ، ولا لإغاثة، بل للتصوير.
مشهد بات مألوفًا حدّ القبح: أجساد منهكة، نساء ثكالى، أطفال يرتجفون بردًا وخوفًا، وشبابٌ أقوياء البنية، سليمون، مكتملو العافية، يختبئون خلف هواتفهم، يضبطون الزوايا، يحسّنون الإضاءة، ويبحثون عن “اللقطة المؤثرة” من أجل… البوز.
أين السواعد التي خُلقت للعمل؟
أين الرجولة التي تعني المبادرة قبل السؤال؟
أين نخوة المجتمع المدني؟
أين الكشافة؟
أين خريجو الهلال الأحمر؟
أين الرياضيون، خريجو قاعات القوة والتحمّل؟
أين الحنان الإنساني قبل المهارة التقنية؟
النجدة لا تحتاج دائمًا إلى شهادات، ولا إلى تدريب معقّد.
أحيانًا، تدخل بسيط ينقذ أسرة.
أحيانًا، يد ممدودة تعيد أمًّا إلى طفلها.
أحيانًا، غطاء، قطعة خبز، لباس جاف، تصنع فرقًا بين الحياة والانكسار.
لكن ما نراه اليوم هو جبن مُغلّف بالفرجة، وخوف مُقنّع بالحياد، وتخلٍّ يُسوّق له على أنه “نقل للواقع”.
أي واقع هذا الذي يُنقل دون أن يُخفَّف؟
وأي ضمير ذاك الذي يوثّق الألم بدل أن يداويه؟
الهواتف لم تعد مجرد أدوات،
لقد قيّدت البصيرة،
وأعمت البصر،
وزكّت فن التصوير على حساب فن الإنقاذ.
بدل أن يُسرعوا للبحث عن أغطية، عن طعام، عن مأوى،
ينشغلون بالتصوير…
تصوير المصائب،
تصوير الدموع،
تصوير الانكسار،
ثم نشره على العلن،
لا انتصارًا للإنسانية،
بل انتقامًا منها.
ما هذا الذي وصلنا إليه؟
أي زمن هذا الذي يتقن فيه البعض فن دهس الكرامة،
وفن سحق الإنسانية،
وفن استغلال آلام المنكوبين من أجل الإعجابات والمشاهدات؟
إن الكارثة امتحان،
لا للطبيعة فقط،
بل للأخلاق.
ومن يفشل في مدّ يده،
لا يحق له أن يمدّ هاتفه.
عمود أسبوعي يوقعه الكاتب الصحفي ذ. حسن فقير

رابط مختصر
اترك تعليق

يجب ان تسجل الدخول لكي تتمكن من إضافة التعليقات

الاخبار العاجلة