حين يُمتحَن ضمير المدينة… تبدأ الحكاية من المقبرة

حين يُمتحَن ضمير المدينة… تبدأ الحكاية من المقبرة
nabae 24منذ 6 ساعاتآخر تحديث : منذ 6 ساعات

حين يُمتحَن ضمير المدينة… تبدأ الحكاية من المقبرة

نبأ24// فقير حسن

لو قُدّر لي أن أكون رئيساً لمجلس جماعة، فلن أبدأ بإصلاح أرصفة المدينة، ولا بطلاء جدران الساحات، ولا حتى بتجميل مداخلها كما يفعل أغلب المنتخبين في أول الولاية… بل سأبدأ من هناك: من المقبرة. من ذلك المكان الذي نطويه في آخر اهتماماتنا، رغم أنه أول بيت يستقبل منّا من كانوا يوماً نبض العائلات، وعماد الدار، ورفاق الدرب.
المقبرة ليست مجرد فضاء لدفن الموتى؛ إنها مرآة لضمير المدينة، وامتداد لاحترامها لإنسانيتها. وحين تفقد المقبرة حرمتها، نكون قد فقدنا شيئاً ثميناً في أنفسنا قبل أن نفقده في عمراننا.
أولاً: أنسنة الفضاء قبل تنظيفه
سأجعل من المقبرة مساحة حيّة بالسكينة، لا أرضاً قاحلة تُرمى فيها قبور مهملة. سأعيد ترتيب الممرات، وتشجير المساحات، وتحديد المقابر بشكل لائق. يكفي أن نزور مقابر بعض المدن في أوروبا لنفهم أن تقدّم الشعوب يُقاس أيضاً بطريقة احترامها لموتاها.
ثانياً: كرامة الزائر قبل جمال المكان
سأضمن للزائر ممراً نظيفاً، ومقاعد يستريح عليها، وظلاً يقيه حرارة الصيف أو برد الشتاء. وسأضع لوحة تُذكّر الجميع:
“هنا يرقد من كانوا يوماً بيننا… فلتكن زيارتكم دعاءً وسكينة.”
ثالثاً: نظام يحفظ الذاكرة ولا يترك الموتى أرقاماً
سأعتمد سجلاً رقمياً وخرائط دقيقة تُعرّف بكل قبر، حتى لا يضيع أحدٌ بين الصفوف، ولا يبحث أبٌ عن قبر ابنه لساعات، أو تُهمل أم قبر زوجها لأنها لم تعد تعرف طريقه. للميت حق في أن يكون معروفاً، وأن لا يُعامَل كرقم.
رابعاً: فضاءات للقراءة والترحّم
سأهيّئ رُكناً صغيراً للقراءة، يضم مصاحف وكتباً روحية، لأن المقابر ليست أماكن للكآبة، بل محطات تستيقظ فيها أرواحنا على قيمة الحياة.
خامساً: صيانة مستمرة لا موسمية
ليس مقبولاً أن تُنظف المقبرة فقط قبيل الأعياد. الاحترام الحقيقي هو العناية الدائمة، لأن الميت لا ينتظر مناسبة كي يكون محترماً.
سادساً: إشراك المجتمع
سأطلق مبادرات تطوّعية شهرية، يشارك فيها شباب الحي، وجمعيات المجتمع المدني، لإزالة الأعشاب العشوائية وتنظيف الفضاءات. ليس بهدف “العمل التطوعي” فقط، بل كي يشعر الجيل الجديد أن المقبرة ليست مكاناً مخيفاً، بل فضاء يحكي تاريخ مدينته.
سابعاً: الحدّ من الفوضى العمرانية للموت
سأمنع البناء العشوائي داخل المقبرة، وسأفرض نمطاً موحداً للقبور يحترم جمالية المكان، ويُظهر أن لكل دفين قيمة، وأن المساواة في الموت ليست شعاراً بل فعلاً.
ثامناً: المقبرة فضاءٌ للهويّة
سأعمل على وضع لوحات تعريفية تشرح تاريخ المقبرة، وتذكر الشخصيات التي دُفنت فيها، لأن المقابر ليست أماكن للصمت فقط، بل أرشيف حيّ لذاكرة المدينة عبر أجيالها.
في النهاية…
حين نُعيد إلى المقبرة إنسانيتها وقدسيتها، فإننا نُعيد في الحقيقة شيئاً من إنسانيتنا نحن. فالموتى لا يطالبون بالكثير: لا يريدون سوى أن نحفظ لهم مكاناً نظيفاً، محترماً، يليق بذكراهم… هؤلاء الذين كانوا يوماً أجدادنا، وأعمامنا، وأخوالنا، وزوجاتنا، وأبناءنا.
وكل مدينة تحترم موتاها… تستحق أن يحترمها التاريخ.
عمود أسبوعي يوقعه الكاتب الصحفي ذ. حسن فقير

رابط مختصر
اترك تعليق

يجب ان تسجل الدخول لكي تتمكن من إضافة التعليقات

الاخبار العاجلة