من “بيّاع العجل” إلى “بيّاع الزبَل”.. كيف صار هشام جيراندو مرآةً مشروخة للجزائر؟
NaBae24//FQSBF
في مسرح العبث الجزائري، قلّ أن تجد شخصية تُجسّد هذا القدر من التناقض والسقوط الأخلاقي كما يفعل هشام جيراندو. الرجل الذي بدأ رحلته في كندا كبائع سيارات – أو “بَيّاع العجل” كما يُلقّب في أوساط الجالية – انتهى به المطاف ناطقًا غير رسمي باسم الكابرانات، يُجيد تقمص دور الوطني الغيور، بينما هو لا يرى في الجزائر سوى منصة لبث سمومه، وتصفية حساباته، ومغازلة سلطةٍ لا تعترف به إلا كأداة.
جيراندو لم يتحول فجأة. لكنه انزلق تدريجيًا من الهامش إلى المستنقع. فحين أدرك أن رفع الصوت ضد النظام لن يشتري له نفوذًا، أدار ظهره للحق، ومدّ يده لمن كان بالأمس يشتمهم. صار يحلل السياسة بعين المخابرات، ويُوزّع صكوك الوطنية بمزاج العسكر، ويزن المواقف بميزان مختلّ، لا يعرف الإنصاف بل يُقيس الولاء بمدى رضا الكابرانات.
ما يثير السخرية أن جيراندو بات يرى العالم من ثقب ضيق يُفتحه جنرالات المرادية له كل صباح. يغضب لغضبهم، ويضحك حين يضحكون. يُعادي من يعادونهم، حتى وإن كان ذلك على حساب المبادئ، ويُجاهر بالحب لحلفائهم ولو كانوا أعداءً لأحرار الجزائر.
ولعل أخطر ما في خطابه ليس تضليله الإعلامي فحسب، بل التماهي الكامل مع منطق الطغيان، حتى صار حديثه عن “السيادة” و”الكرامة” مجرد صدى أجوف لبيانات العسكر. يقتبس من الحديث القدسي قول الحق: “مَنْ عَادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُه بِالحرب”، لكنه يجعله مكيّفًا على مزاج العصب الأمنية، متجاهلًا أن أولياء الله ليسوا أولياء الجنرالات.
جيراندو اليوم لا يبيع السيارات، بل يبيع الأوهام. يبيع الزيف مموّهًا بشعارات وطنية جوفاء. يهاجم خصوم الكابرانات بكل شراسة. يُروّج للوهم كأنه حقيقة، ويعتقد أنه بذلك يخدم الوطن، بينما هو لا يخدم إلا نفسه وسادته الجدد.
ليس الغرض هنا شخصنة النقد، بل التحذير من ظاهرة. فجيراندو ليس سوى واجهة، نمط متكرر من الذين يبدؤون بالتمرد، ثم ينتهون حلفاء له. من باع العجل قد لا يتورع عن بيع الضمير، خصوصًا حين يرى أن السوق مربحة، وأن الزبائن في المرادية كرماء في الدفع، بخيلة في الرحمة.
