أخلاق الأمن.. وأوهام بوبكر الجامعي
عن // نبأ 24
من يَجب علينا أن نُصدق؟
وبمن يُفترض فينا أن نَثق؟
هل نُصدق بوبكر الجامعي الذي ادعى بكثير من التكهن أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تَثق في السلطات الأمنية المغربية؟
أم علينا أن نُصدق التقارير الرسمية الصادرة عن مختلف الوكالات الفيدرالية الأمريكية، والتي أجمعت على أن “التعاون الأمني مع المغرب يَضمن الاستقرار والأمن والسكينة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”؟
ربما يَجدر بنا أن نصدق بوبكر الجامعي! لأنه من المؤكد أنه يَعرف مصلحة أمريكا أكثر من وكالاتها الأمنية والاستخباراتية.
بل يَتوجب علينا أن لا نُطالع تقارير وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون ومكتب التحقيقات الفيدرالي ومُجمع الاستخبارات الأمريكي! لأنهم لا يَعرفون حقيقة المغرب مثلما يَعرفها بوبكر الجامعي!
فالرجل يَستشرف مصالح أمريكا أكثر من عقلها الباطن. لذلك وَجب علينا أن نستبعد كل التقارير الأمريكية التي تشيد بالأمن المغربي، وأن نرميها في سلة المهملات، وأن لا نتماهى إلا مع هَرطقات وتُرهات ومُخاتلات بوبكر الجامعي.
لكن قبل التماهي مع هَلوسات بوبكر الجامعي، دعونا أولا نُطالع ماذا تقول السلطات الأمريكية في حق الأمن المغربي.
لنبدأ استهلالا بالتقرير الذي نشره مكتب القضايا السياسية والعسكرية التابع لكتابة الدولة الأمريكية للشؤون الخارجية بتاريخ 8 أبريل 2024، والذي أكد فيه أن “التعاون الأمني مع المغرب يَهدف بشكل مُشترك لضمان الاستقرار والأمن والسكينة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
بل إن هذا التقرير أكد “أن المغرب يُشكل الحليف الرئيسي والأساسي للولايات المتحدة الأمريكية في مجال صون الأمن الإقليمي والجهوي”، مضيفا “أن التعاون الأمني بين الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب هو تَعاون عميق ومتين، ويبتغي تدعيم الاستقرار الجهوي، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز التبادل التجاري، وتطوير الإصلاحات التي ينهجها المغرب”.
فما هو تَعليق بوبكر الجامعي على خلاصات هذا التقرير الأمريكي الرسمي؟ هل نُصدق ما جاء في هذا التقرير؟ أم نَجتر مزاعم بوبكر الجامعي بشأن تجاوزات المغرب المزعومة في مجال مكافحة الإرهاب؟
ولنفترض جدلا أن وزارة أنطوني بلينكن لا تَعرف حقيقة المغرب مثلما يَعرفها الجُهبذ بوبكر الجامعي! فماذا تقول باقي المؤسسات الأمريكية مُمثلة في البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالية ووزارة العدل الأمريكية حول الأمن المغربي؟
المؤسسة العسكرية الأمريكية مُمثلة في البنتاغون، كانت أول من أشاد بالأمن المغربي بموجب بلاغ صحفي في أعقاب ترحيل عبد اللطيف ناصر، الذي كان يُعد آخر مغاربة غوانتنامو، والمستشار السابق لزعيم تنظيم القاعدة الإرهابي.
ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI وَجها معا رسائل شُكر وامتنان للسيد عبد اللطيف حموشي، إثر المعلومات الاستخباراتية الدقيقة التي وفرتها الأجهزة الأمنية المغربية ومكنت الجيش الأمريكي ومكتب التحقيقات الفيدرالي من توقيف الجندي الأمريكي “كول بريدج “، الذي كان يُخطط لتنفيذ عمل إرهابي ضد منشآت حساسة بنيويورك.
أكثر من ذلك، أشادت وزارة العدل الأمريكية في سنة 2023، بدور مصالح الأمن المغربية في توقيف خمسة من أخطر المجرمين المطلوبين للقضاء الأمريكي في جرائم الاعتداء الجنسي على القاصرين والمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الخاصة بالشركات العالمية.
فهل يَكفي هذا القدر من التقارير الأمريكية الرسمية للرد على خُزعبلات بوبكر الجامعي؟ أم أن الرجل يَتوسم في نفسه بأنه هو “الدولة العميقة” للولايات المتحدة الأمريكية، وأنه يَعرِف ما لا يَعرفه بايدن وترامب وغيرهما من الساسة الأمريكيين!
ومن المؤكد هنا أن غباء بوبكر الجامعي لا يَتجسم في حقده على المغرب فقط، بل يَتعداه إلى مَحدودية أفق تفكيره.
فالرجل يَربط الإرهاب بالمغرب بأحداث السادس عشر من ماي 2003، وكأن أحداث أطلس أسني وأسلحة أكنول وخلية يوسف فكري ومُخططات جماعة المجاهدين المغاربة وغيرها لم تَكن ذات طابع إرهابي!
فمن فَرط جَهل الرجل، أنه يؤرخ لبداية الأعمال الإرهابية بالمغرب بصدور قانون الإرهاب في 2003، والحال أن هذا القانون جاء ليُعطي تكييفا تشريعيا واضحا للإرهاب، بعدما كانت هذه الجريمة تَخضع لتكييفات إجرامية أخرى تَنهل من القانون الذي كان ساري المفعول في إبانها.
لكن السُخرية سوف تبلغ مَداها عندما ادعى بوبكر الجامعي، بكثير من الصفاقة والسذاجة، بأن لا أحد يَعرِف من ارتكب العمليات الإرهابية التي استهدفت الدار البيضاء في 16 ماي 2003!
وهنا لا يَسعنا إلا أن نقول لبوبكر الجامعي، بأننا لسنا مَسؤولين عن جهله وعن حقده الأعمى، الذي جعله يَنسى أو يَتناسى من بَصم تاريخ المغرب بأعمال إرهابية غاشمة.
وقبل أن نَختم هذا الحوار الافتراضي مع بوبكر الجامعي، دعونا نُناقش ما قاله الرجل، بكثير من الرُعونة، عندما ادعى بأن “الأمن المغربي بلا أخلاق”!
فماذا يَقصد الجامعي بأخلاق الأمن؟ هل يَقصد أخلاق الشرطيين أم أخلاق المرفق العام؟ فإذا كان يُعمِّم هذا القذف على الشرطيين، فهو إنسان مُنعدِم الأخلاق، لأنه سَقط في فخ التعميم وهو ما لا يَستقيم في شخص يُقدِّم نفسه أكاديميا مُتخرجا “بالليل” من الجامعات الأمريكية المرموقة.
وإذا كان بوبكر الجامعي يَقصِد بكلامه المؤسسة الأمنية ككل، فهو يَسقُط أيضا في فخ التناقض مع استطلاعات رأي المغاربة الذين عَبَّروا في أكثر من استطلاع على أنهم يَثِقون بمعدل 85 بالمائة في مؤسستهم الأمنية!
وفي المحصلة، فشَتَّان ما بين أخلاق الأمنيين المغاربة وما بين أوهام بوبكر الجامعي.