العفو في مواجهة “رحابة الخيال”
عن // نبأ24
بحثت في المعاجم عن دلالات العفو، راجعت كتب القانون لعلي أهتدي إلى مغزاه وأثره، تتبعت الممارسة، لتدلني عن دروسه ونوامسيه في تجريبيته.
في كل هذا العمل، لم أجد رأيا يربط العفو، بإدانة المؤسسات، وبأن إعماله يعني عدم اتفاق مع ما انتهت إليه.
تطلب مني المقام أولا، هذه التوطئة، لكي أجادل من يعتبر بأن العفو، موقف من عمل “الأمنيين”، وأنه تصحيح لخطئهم، لنساير القوم، في قولهم هذا، وليسمحوا لي على ملحاحية أسئلتي، وطلبي في التوضيح والبيان كالآتي:
أولا، ليس الأمنيون، من يملك سلطة توجيه الاتهام، ولا إصدار الأحكام، ولا استئنافها. فعجبا، أن تلصق الإدانات، والعقوبات بمن لا تصدر عنهم، وحتى عمل بعض منهم، ضباطا للشرطة القضائية، فإن ذلك، وبنص الدستور، يتم تحت إشراف النيابة العامة المشكلة لجزء من السلطة القضائية المستقلة.
ثانيا، ليس العفو، أداة لمحاسبة الأمنيين، أو تحديدا مسؤوليهم، أو عنوانا لإبراز عدم الاتفاق معهم، فالعفو، هو موجه للمعتقلين ولذويهم، لكنه لا يلغي المتابعة، ملابساتها، ولا ينسخ الأحكام القضائية وحجيتها، وما ترتبه من حقوق للضحايا.
ثالثا، ليس الأمنيون، من يشرف على سريان المحاكمة، ولا تأمين شروطها، بما في ذلك، تقدير وسائل الإثبات، وصحة الإجراءات المتبعة، وتمتيع المعنيين بحق الدفاع، وتوفير زمن معقول للاطلاع وللإعداد والتعقيب.
رابعا، ليس العفو، مرادفا للاعقاب، ولمراجعة الأحكام، أو إقرارا بعدم شرعيتها، وأيضا ليس إدانة لأي مؤسسة من المؤسسات التي تدخلت في المسلسل برمته: شرطة قضائية، وسلطة قضائية وإدارة للسجون.
خامسا، ليس الأمنيون، مسؤولون عن متابعة الصحفيين، كل الصحفيين، والغريب، أن هذا الخطاب ينشر فقط بالنسبة لحالة العفو هذه، في حين أن هناك حالات عديدة للعفو صدرت واستفاد منها صحفيون وحقوقيون وسياسيون. فلماذا لم يكن العفو في كل الحالات السابقة إدانة “للأمنيين”؟
أخيرا، ليس في العفو متسع لحشر ما لا يحشر فيه، فالعفو لا يحمل إدانة، لأن لهذه الأخيرة مسالك خاصة بها، ولا عدم اتفاق، لأن لذلك إجراءاته وسبله، ولا تحميلا للمسؤولية على أساس الخطأ، بحكم أن “ربط المسؤولية بالمحاسبة” له إطاره الخاص به.
فلمصلحة من يردد مثل هذا الخطاب المغرق في الخيال؟ هل الذين تزعجهم حرفية وسمعة الأجهزة الأمنية؟ للترحيب والشراكات الدولية عرفانا بتعاونها وأدائها؟ أم “للحاضنة الاجتماعية”، التي تتوفر عليها، ولانفتاحها على المجتمع في سياسات تواصلية وأبواب مفتوحة غير مسبوقة؟