تمثلات السلطة وتحفيزات مؤسساتية تجذب شباب المغرب إلى الوظيفة الأمنية
عن // نبأ 24
لا يزال الظفر بمنصبٍ ضمن سلك الأمن بالمغرب أملا لدى كثيرين من الشباب المغاربة المتوفرين على شواهد جامعية عالية، حيث يرتبط ذلك أساسا ذلك بتمثلات ثقافية ومجتمعية جرى تداولها بين المغاربة طوال العقود الأخيرة قبل أن تتعزز بمتغيرات جديدة عرفها سلك الأمن الوطني، من تحفيزات واستقرار وظيفي…
ويواصل الشباب المغاربة الاستعداد الجيد للمباريات التي تُخول لهم الانضمام إلى الموارد البشرية التي تسهر على ضبط الأمن الداخلي للمملكة، حيث يواصلون استعداداتهم في الفترة الحالية منذ إعلان المديرية العامة للأمن الوطني عن مباراة التوظيف لسنة 2024 التي يرتقب أن تنظم بتاريخ العشرين من أكتوبر المقبل بمدينة الرباط ومدنٍ أخرى.
وتبتغي المديرية من خلال هذه المباراة توظيف ما يصل إلى 6 آلاف و477 شرطيا بمختلف الدرجات برسم السنة المالية لسنة 2024، ستؤول 25 في المائة من هذه المناصب إلى المترشحين قدماء المحاربين أو قدماء العسكريين أو المتوفرين على صفة مقاوم أو مكفول الأمة.
ويرتقب، بموجب نتائج المباراة المرتقبة، توظيف 90 عميد شرطة و400 ضابط شرطة و50 ضابط أمن و2500 مفتش شرطة و3 آلاف و437 حارس أمنٍ، حيث يختلف المستوى الدراسي المطلوبُ للتقدم لاجتياز هذه المباراة من تخصص إلى آخر، ما بين شهادة الإجازة ودبلوم الدراسات الجامعية العامة وشهادة البكالوريا أو شهادة معادلة لها.
ولوحظت استعداداتٌ مكثفة وانجذاب متواصل من الشباب المغاربة إلى هذه المباراة، حيث لا يزال شبابٌ يعقدون العزم على اجتيازها والنجاح فيها بما يمكن أن يشكل إجابة عن رهانات مختلفة، بما فيها الأسرية والمجتمعية والشخصية، والتي يتم غالبا السعي إلى الانضمام إلى المؤسسة الأمنية لتحقيقها والتمتع بقسط من السلطة، كما يعتبر العقل المجتمعي المغربي ذلك.
عوامل مركبة
فؤاد بلمير، باحث مغربي في السوسيولوجيا، قال إن “استمرار هذا الانجذاب يمكن تفسيره انطلاقا من ثلاثة مستويات؛ المستوى الأول مستوى ثقافي خالص، والثاني اجتماعي واقتصادي مركب، في حين أن المستوى الثالث يرتبط أساسا بالتطور الذي عرفه قطاع الأمن بالمغرب خلال العقود الأخيرة”.
وتوقف بلمير، ضمن تصريح لهسبريس، عند “العنصر الأول المرتبط بالنظرة المغربية المعروفة تجاه المناصب الأمنية والعسكرية والعمومية على حد سواء، حيث يحبذ الإنسان المغربي كثيرا المهن العمومية إلى درجة أن هناك إصرارا متواصلا على الظفر بمنصب ضمن هذه المهن التي تتميز أساسا بالاستقرار”.
ولفت المتحدث إلى أن “هذا العنصر الثقافي يحيل دائما على بحث المغاربة عن السلطة، وهو ما يمكن أن يتحقق نوعا ما من خلال الانضمام مثلا إلى المهن الأمنية؛ فهناك ثقافة لدى المغاربة في هذا الصد، وهناك معتقدات كذلك تعزز ممن الانجذاب أكثر لهذه المهن الأمنية، سواء كان الأمر متعلقا بالشرطة أو بالجيش”، مشيرا إلى أن الانجذاب يكون كذلك إلى الخدمة العسكرية”.
أما العنصر الثاني، حسب الباحث ذاته، فيتعلق أساسا بـ”ارتفاع منسوب تمدرس الشباب وسعيهم إلى الظفر بمناصب تتمتع بقدر كبير من التنظيم والاستقرار، وهي الرغبات التي يمكن أن تجيب عنها المناصب التي تفتحها المديرية العامة للأمن الوطني”، خالصا إلى أن “العنصر الثالث المساهم في هذا الانجذاب المتواصل نحو المناصب الأمنية هو منسوب التطور الذي عرفه المجال ككل، والذي جاء كنتيجة لما سبق بدأ في عهد الحسن الثاني”.
تطور المؤسسة
قال محمد شقير، باحث في الشؤون الأمنية، إنه “تجدر بداية الإشارة إلى أن عدد الأفراد المنتسبين إلى المؤسسة الأمنية لا يتناسب مع النمو الديمغرافي للساكنة المغربية؛ وبالتالي فمن أجل تدارك هذا الخصاص وزيادة نسبة التغطية الأمنية، عمدت المديرية العامة للأمن الوطني إلى فتح مباريات الولوج إليها بأعداد كبيرة تماشيا أيضا مع حجم التحديات الأمنية التي يواجهها المغرب”.
وسجل المتحدث ذاته أن “هذه المباريات، التي يتم الإعلان عنه سنويا، تعد متنفسا وبوابة لاستيعاب أحلام مجموعة من الشباب المغاربة الذين يبحثون عن الاستقرار الاجتماعي والعائلي، إذ أصبحت مباريات الأمن تجذب الكثيرين منهم وينتظرونها بفارغ الصبر”.
كما شدد مؤلف كتاب “المؤسسة الأمنية بالمغرب.. بين حماية النظام وسلامة المواطن” على أن “تحسن الوضعية المالية والاجتماعية لأفراد الأمن، حراسا ومفتشين وضباطا وعمداء، مقارنة بالماضي، تعد عامل جذب آخر للوظيفة الأمنية”، مضيفا أن “المديرية العامة للأمن الوطني، خاصة في فترة مديرها الحالي، أولت اهتماما كبيرا بتحسين الوضع الاجتماعي لمنتسبيها من خلال رفع التعويضات وإنشاء مؤسسة الأعمال الاجتماعية وغيرها من الإجراءات والقرارات ذات الطابع الإنساني التي يستفيد منها الأمنيون وكذا أفراد عائلاتهم وذوو الحقوق”.
شقير أورد كذلك أن “السياسة التواصلية التي اتبعتها المديرية في السنوات الأخيرة وانفتاحها على محيطها الاجتماعي من خلال الأبواب المفتوحة رفعت مستوى ثقة المغاربة، خاصة الشباب، بهذه المؤسسة وكرست لديهم صورة جديدة ساهمت في تجاوز النظرة الكلاسيكية التي عززتها مجموعة من العوامل والتي ترتبط الأمن بالقمع والاضطهاد”.
وأشار الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية إلى عامل آخر مفسر لانجذاب الشباب للوظيفة الأمنية والعسكرية؛ وهو عامل ذو طبيعة نفسية اجتماعية، مرتبط بـ”حب المغرب للسلطة وهوسه بها بالنظر إلى الهيبة والسمعة والاحترام التي يتمتع به الأمنيون والعسكريون في محيطهم المجتمعي، خاصة في أوساط العائلات التي تفتخر بانتماء أبنائها إلى هذه المؤسسات وتتفاخر بذلك فيما بينها”.
•